القروض الصينية تُطور اقتصاد العرب.. فهل ترهن سيادتهم؟

اثنين, 30/05/2022 - 23:06

عواصم: لا تفتأ الولايات المتحدة الأمريكية تحذر الدول النامية ومن بينها العديد من الدول العربية، من “فخ الديون الصينية”، بينما تنفي بكين ذلك، وتعتبرها قصة اختلقها من لا يريدون لهذه الدول أن تتطور.

ترى الصين في القروض التي تقدمها للدول العربية “مصلحة متبادلة” لكن الخطر يكمن في وصول هذه الدول إلى مرحلة تجد نفسها غارقة في هذه الديون وعاجزة عن السداد.

هذه الفرضية، قد تجبر الدول المدينة في مرحلة ما، على التخلي عن بعض أصولها للشركات الدائنة، أو تغيير مواقفها الدبلوماسية من قضايا معينة، استجابة للضغوط الصينية، وربما حتى فتح المجال لبكين لإقامة قواعد عسكرية.

فخ الديون الصينية لا يختلف عن فخ الديون الأمريكية والأوروبية، إنه أشبه بـ”نسخة من استعمار جديد” على حد قول رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد.

والجمعة، حذّر المستشار الألماني أولاف شولتس، من أن القروض التي تمنحها الصين منذ سنوات إلى بلدان فقيرة، خصوصاً في إفريقيا، تشكل “خطراً جدياً” يمكن أن يغرق العالم في أزمة مالية جديدة.

وقال شولتس: “يوجد حقاً خطر جدي” من أن تنجم أزمة مالية في “دول الجنوب عن قروض منحتها الصين عالمياً من دون أن تتمتع باطّلاع شامل عليها لكثرة الجهات الضالعة فيها”.

لكن، لماذا تلجأ الدول العربية إلى الاستدانة “الكثيفة” من الصين رغم المخاطر التي قد يحملها ذلك؟ ولماذا تنفق بكين مليارات الدولارات على مشاريع في دول عربية قد لا يتمكن بعضها من سدادها؟

 

منفعة متبادلة

تحتاج الدول العربية كغيرها من الدول إلى قروض وتمويلات لمشاريعها، خاصة المتعلقة بالبنية التحتية أو الفوقية من طرق وسكك حديدية وموانئ وسدود وسكنات ومستشفيات ومدارس، بل وحتى لتمويل عجز الحساب الجاري.

وارتفعت الحاجة للسيولة النقدية، خاصة من جانب الدول العربية غير النفطية، خلال جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، للإعفاء بالتزاماتها.

وبالنظر إلى صعوبة الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وشروطهما المعقدة، تصبح الصين أحد الخيارات المفضلة للحكومات العربية، خاصة أنها لا تفرض شروطا متعلقة بالديمقراطية حقوق الإنسان.

بالمقابل، فإن الصين تستفيد من تشغيل فوائضها المالية الضخمة عبر قروض تفوق نسبة الفائدة فيها أحيانا تلك التي تشترطها المؤسسات الدولية.

تستهدف القروض الصينية بالدرجة الأولى البنية التحتية في الدول العربية، خاصة الموانئ والطرقات والسكك الحديدية، والتي تمكنها من تهيئة خطوط النقل والإمداد ضمن مبادرة الحزام والطريق، بالشكل الذي يضمن لها وصول دائم للطاقة وغزو سلعها للأسواق العربية.

وتتولى الشركات الصينية للمقاولة تنفيذ الكثير من المشاريع في الدول العربية التي تمولها بنوك صينية، ما يدرُّ عليها عوائد مالية هامة.

إذ ساهمت سياسة القروض والتمويل، في ارتفاع عدد شركات المقاولات الصينية من 9 شركات بين أكبر 100 مقاول عالمي في عام 2000، إلى 27 شركة في 2020.

بينما أوروبا لديها 37 شركة، بانخفاض من 41 شركة، ولدى الولايات المتحدة 7، مقارنة بـ19 قبل عشرين عاما.

والأمر الآخر، أن الصين تستهدف بقاء عملتها المحلية (اليوان) ضعيفة، بالشكل الذي يبقي سلعها رخيصة وتنافسية مقارنة بالسلع الأمريكية والأوروبية الغالية.

بشكل أوضح، فإن الصين تحقق فوائض مالية ضخمة من تجارتها الخارجية، ودخول مئات المليارات من الدولارات إلى السوق الصينية سنويا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار اليوان مقارنة بالدولار.

لذلك تُبقي الصين جزءا من هذه الفوائض المالية كسندات لدى الخزينة الأمريكية بقيمة 1.1 تريليون دولار وفق بيانات الخزانة الأمريكية، في شكل احتياطات صرف.

 

كما تُقرض مليارات الدولارات للعديد من دول العالم بما فيها العربية، ما يسمح باستقرار عملتها وعدم ارتفاعها بالشكل الذي يضعف تنافسية سلعها.

 

جيبوتي الحلقة الأضعف

ورغم نفي الصين استيلاءها على أصول أية دولة في العالم بسبب تعثرها في سداد ديونها، إلا أنه كثيرا ما يتردد اسم ميناء “هامبانتوتا” جنوبي سريلانكا، الذي استحوذت شركة صينية على 70 بالمئة من أسهمه لمدة 99 عاما، كمثال على رغبة بيكين في الاستحواذ على أصول الدول بعد إغراقها بالديون.

ولكن سريلانكا ليست المثال الوحيد، فهناك أيضا زامبيا، التي فشلت في دفع قيمة “محطة التوليد المائية” التي أنشأتها الصين، فاستحوذت عليها وعلى 60 بالمئة من أسهم إذاعة زامبيا الحكومية.

وفي كينيا تعثرت الحكومة في دفع قرض أنفقته في بناء خط للسكك الحديدية، ما قد يدفعها للتخلي عن بعض أصولها.

وتعد جيبوتي أكثر الدول العربية والإفريقية انكشافا أمام الديون الصينية، فوفق تقديرات “معهد التنمية الخارجية”، ومقره لندن، تمثل القروض الصينية 70 بالمئة من الديون الخارجية لجيبوتي.

بينما توقع تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية في 2018، أن تبلغ ديون جيبوتي 88 بالمئة من ناتجها الإجمالي، والذي بلغ في نفس العام أقل من 3 مليار دولار، ما يجعل البلاد عرضة لتسليم جزء من أصولها إلى الصين في حال عدم قدرتها على السداد.

جيبوتي، لا تملك موارد طاقة تستحق الذكر، تمكنها من تطوير اقتصادها، لذلك تستغل موقعها الاستراتيجي على مضيق باب المندب، في تأجير قواعد عسكرية لكل من فرنسا والولايات المتحدة والصين، لدعم اقتصادها المتواضع.

وهذه الديون مكنت الصين من بناء أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها، وإدارة ميناء دوراليه، وتشييد سكة حديدية والعديد من المشاريع الأخرى، ما يجعل جيبوتي في موقع هش أمام تعاظم النفوذ الصيني الذي يقلق واشنطن.

 

ضغوط وشبهات

وعلى غرار جيبوتي، تعد السودان من بين الدول العربية التي تورطت في الديون الصينية السهلة والبالغة 10 مليارات دولار من إجمالي 60 مليار دولار.

وأدى تعثر الخرطوم في سداد هذه الديون، في ضغوط صينية تمثلت في وقف أو تجميد مشاريعها في البلاد، وعدم تقديم مزيد من المنح والقروض.

وفي الجزائر استغلت الصين، أزمتها الاقتصادية الناتجة عن تراجع أسعار النفط والغاز، وسعت لتمويل مشروع تشييد أكبر ميناء تجاري في إفريقيا في منطقة شرشال (100 كلم غرب الجزائر العاصمة).

ورغم أن الجزائر تمكنت من سداد جميع ديونها قبل 2013، وتبنت سياسة عدم الاقتراض بعد تجربة مريرة مع صندوق النقد الدولي في التسعينات، أدت إلى غلق آلاف المؤسسات الحكومية وطرد نحو 400 ألف عامل، إلا أن الصين أقنعتها في 2016 بتمويل كامل لمشروع ميناء الحمدانية بشرشال بقرض قيمته 3.3 مليار دولار، على أن تتولى شركة صينية إدارته.

لكن المشروع أثيرت حوله بعض الشبهات ما أدى إلى تجميده بعد الحراك الذي أطاح بالرئيس بوتفليقة ورجاله (1999-2019)، وأعيد بعث المشروع في عام 2020، في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي اشترط الشفافية.

إذ تتبنى الجزائر سياسة الشراكة مع الصين وفق قاعدة (51/49) بدل ترك الشركات الصينية تستحوذ لوحدها على مشاريع بتمويل بنوك صينية.

وهو نفس الأمر بالنسبة لمشاريع الفوسفات في شرق البلاد، والحديد الخام في الجنوب الغربي، الذي تم الاتفاق على استغلاله وفق قاعدة 51 بالمئة للشريك الجزائري و49 بالمئة للشريك الصيني.

لكن الوفرة المالية التي تمتلكها الجزائر سواء بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز أو من خلال احتياطات العملة الصعبة، فإن ذلك لا يتوفر في بلدان عربية أخرى مثل موريتانيا، التي تعد أيضا من البلدان المنكشفة على القروض الصينية، وإن استفادت في 2021 و2022 بإلغاء بعض ديونها المستحقة.

 

(الأناضول)