غدا يوم عظيم بالنسبة للبلد/ محمود ولد بكار

ثلاثاء, 24/01/2023 - 22:56

غدا سيكون بداية منعطف في تاريخ البلد إنه اليوم الذي يحاكم فيه رئيس سابق على تسييره للشأن العام بطريقة لا تتماشى مع اليمين الدستورية ومنافية للقانون الذي يحدد صلاحياته وعكس وضد العقد الاجتماعي أو شرعيته السياسية إنها محاكمة بتهم عظيمة :خيانة الأمانة والاختلاس وتبييض الأموال والفساد والتربح غير الشرعي وسوء استغلال السلطة وأيضا الإخلال بالتعهدات التي كانت المحرك الايديولوجي للنظام الذي هو محاربة الفساد والتي خلقت حوله تعاطفا ظن أنها شرعية سياسية على بياض …هيهات ….ليس مهم من هو الرئيس الذي سيحاكم غدا ولا كيف سيكون الحكم؟ المهم المبدأ الذي سيتحوّل إلى سنة حسنة: أي وضع قفل إضافي في تجربتنا السياسية على تسيير الشأن العام، وتحويل مقتضيات المحاكمة لقيود دائمة أمام التسيير التعسفي للسلطة .ليست هذه الأربعاء 25 يناير 2023 يوما عاديا بالنسبة للشعب الموريتاني بل إنه يوم يهدينا إلى الطريقة التي ازداد بها قطر الوعي وتأثير الرأي العام على السلطة إنه تطور من منظور الساسية والقانون .من منظور السياسية لأن الشعب هو من حرك الدعوة بواسطة التذمر المعبر عنه في الإعلام عن التسيير حينها والذي جسدته المعارضة في عرائض سياسية متعددة تطالب بمحاكمة النظام وخاصة رأسه وبالتالي خلق رأي عام مهيئ لمثل هذه الأحداث تجاوبت معه الأغلبية الحاكمة في جو انسجام غير مسبوق الأمر الذي منح للبرلمانيين القدرة على تبني مبادرة حول المسألة في تكوين لجنة تحقيق برلمانية "في فساد العشرية " ،لكن الحقيقة الناصعة أن التحول في رؤية الرئيس الجديد هي التي أسهمت في تجسيد ذلك التحول ..لقد خرج غزواني عن نسق 1978 حيث كان كل نظام جديد خلال ثمان انقلابات يظل في الواقع استمرارا في العمق لنفس العقليات والممارسات للذي سبقه وحتى إن كان الخطاب الذي يحمله على صدره استعطافي ومناقض للنهج السابق بل ويلعنه، لكن الممارسات تظل هي نفسها . إننا اليوم أمام مرحلة وعي سياسي عام وتغيير في ميكانيزمات الحكم وعقلية الحاكم ..هذا التحول وهذه الارادة تواجه عدو كبير هو عدم جاهزية المؤسسات ولما لها من تاثير على عدم اليقين وعدم تحمس النخبة لإن ذلك لا محالة سينعكس على طريقة حياتها وتفكيرها …صحيح أن دوافع موجة عدم اليقين بسبب سرعة التحول بالنسبة للنظام التي لم تأخذ الوقت الكافي من التعبئة ولإن الرئيس السابق سيحاكم بأدواته التي خلقها خلال 11سنة متوجا بها نمطا من عدم الجدية في بناء المؤسسات و طريقة اختيار الكوادر الصالحة للمهام التي تناط بها ،فليس في مقدور أحد بعد ذلك انتزاع قلب الدولة وأحشائها في عملية قسرية وبأدوات قد تتوقف أثناء العملية.

لقد ترك الرئيس السابق المؤسسات في مستوى وفي مرحلة من الضعف لاتسمح لها بأن ترافق أي تطلعات ولا إصلاحات كبيرة تفصلها مسافات كبيرة عن الواقع عن النسق … ومع ذلك انطلق قطار التحول .إننا سنعقد محاكمة لأجل توثيق التهم وتحويلها لوضعها الحقيقي :جرائم يعاقب عليها القانون .في الحقيقة لايوجد أي شك في وجود أدلة قطعية على كل التهم الواردة في ملف عزيز لكن المشكلة في أن القانون وحتى في هذه الحالة يمنح الحرية لصعود أصوات من داخل هذه العتمة ،لحسن الحظ أن هذه الأصوات لا يليق بها سوى وسائل التواصل الاجتماعي التي تخفي كل القيود ،وتجعل كل شخص ينظر لنفسه بدرجة المنّظر ويضع لنفسه الخانة التي تحلوا له ،ويظل يغرد من أجل اقناع العالم بما يسعى لاثباته أو نفيه عن نفسه حتى وإن كان ملطخا بأنواع الفساد ويسبح في الخيال …صحيح أن الفيس بووك ينتج عادة عظماء ليسوا سوى عبيد لحماقات الجمهور إن وسائل التواصل أتاحت لجحافل الأغبياء أن يتحدثوا كأنهم علماء وتدعمهم بشعبية هي في الحقيقة من المعجبين بالتهريج لاغير.إن المنطق السليم يعرف أنه عندما تدخل لحانوت وأنت صفر اليدين وتخرج بحوزتك بعض أغراض الحانوت وصاحب الحانوت يصيح أنه فقد بعض الأغراض ،فلا أهمية لقولك بأنك لم تأخذها خاصة عندما تكون الأغراض ما زالت بحوزتك ولازلت في المحيط …محاكمة عزيز ليست إلا من أجل "سواد عيون القضاء" لا غير .ولأن القانون صارم فلا جريمة إلا بنص "ولأن العدالة حق أساسي من حقوق الانسان ..فيتعين علينا انتظار المحاكمة والإعجاب بحكم القضاء مهما كان نوعه فلأننا أيضا أمام قضاء دخل مرحلة جديدة من التطور مرافقة للوعي ويقع تحت امتحان كبير وفق تجربة جديدة إنه اليوم يواجه مأزقه الخاص ويقع تحت أنظار العالم لأن البلد قفز بهذه المحاكمة والتي ضمن مسار فصل السلطات وضمن مقاربة المحاربة الفعلية للفساد .إنها بداية وليست نهاية وهذا هو أهم ما في الأمر .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد