حين ضحك الرئيس المختار ولد داداه مرتين

سبت, 08/04/2023 - 23:21

من خصائص شخصية الرئيس الراحل المختار ولد داداه، رحمه الله، وجهه الطلق والابتسامة الدائمة على محياه وهو يقابل أو يلتقي بالآخرين، مواطنين كانوا أم أجانب. وسواء أكان ذلك الانشراح البادي على وجه الرجل، صاحب الوقار والهيبة، يمثل تجلياً لنوع من المصالحة الداخلية مع الذات الشخصية، أم هو مؤشر على نضج شخصي وحنكة مكتسبين في التعامل مع الناس وإدارة المواقف على اختلافها.. فإنه بدون شك قد ساعده في ظروف ولحظات حاسمة كان العبور بالبلد منها يتطلب وجود شخصية هادئة متزنة وقادرة على توليد حالة من الطمأنينة والأريحية في نفوس أبناء هذه الصحراء الذين طالما غلب على نفسياتهم التوتر والتشنج وعلى علاقاتهم التنافر والتشاحن. 

 وقد سجلت لنا الروايات أن المختار ضحك هو أيضاً (عطفاً على المنشور السابق حول ضحكتي معاوية) مرتين على الأقل؛ إحداهما تروي قصتَها رائدةُ الإعلاميات الموريتانيات الناها بنت سيدي، في مقابلة صحفية أجريتُها معها قبل عشرين عاماً من الآن، وفيها تقول:

 سافرتُ كمراسلة للإذاعة الوطنية ضمن الوفد الرئاسي في عدة زيارات خارجية، ولم أر شخصاً مثل المختار ولد داداه في الاهتمام بمرافقيه والسؤال عن أحوالهم ومحاولة تخفيف متاعب السفر عنهم بالمحادثة والملاطفة وسرد القصص والنكت والطرائف. كان يحب سماع النكتة من غيره ويضحك لها في جميع الحالات تأدباً مع الراوي. ولعلي رأيت المختار وقد غلبه الضحك (كبظو موطص) مرة واحدة حين كنا في زيارة لمصر، حيث أخذونا في جولة سياحية إلى أهرامات الجيزة، وإلى مكان داخل أحد الأهرامات لا يحظى بدخوله إلا الخواص من ضيوف الرئاسة المصرية. وفي ذلك المكان ثمة فتحة مررنا منها جميعاً بسلام إلا رئيس الجمعية الوطنية عبدالعزيز صال، فقد انزلق ولم يعرف كيف يخرج نفسه، فأصابه خوف شديد وأخذ يستنجد بمرافقينا المصريين كي يخرجوه، وعندها سارع المختار ماداً يده إليه، لكن عبدالعزيز رفض اليد المدودة لعلمه بأن سحب رجل بوزنه الثقيل يتطلب قوة عدة رجال أشداء، وفي الأثناء كان يستخدم عربية مكسرة عجيبة وهو يتوجه بها إلى المصريين طالباً إنقاذه. وبعد إخراجه والاطمئنان على سلامته، بدأ المختار يمازحه ويطلب منه إعادة بعض الجمل العربية التي كان يصرخ بها وهو داخل الحفرة، فلم يستطع أن يتذكرها، فراح المختار يعيدها على مسامعه وهو يضحك ثم سرعان ما غلبه الضحك، لكنه أيضاً سرعان ما سيطر عليه وأوقفه، دون أن ينال ذلك من وقار طالما كان يجلله. 

 أما المرة الثانية التي ضحك فيها المختار بشدة فترويها لنا إعلامية أخرى هي مريم بنت اسباعي: 

ذات صباح قطع رجل طريق الرئيس المختار حين كان متوجهاً إلى الرئاسة، وخاطبه قائلا: السيد الرئيس حانيني أشوي انقول لك ذا.

توقف الرئيس، ثم خاطبه الرجل مرة أخرى: انا اسمي «ينجى» وجاي من تكانت، وكتبت لك براوه درت عليها تيمبر اشريتُ بخمس أوقيات اندور نلقاكم، ولا اتيسر لي ملقاكم، واظريوك اندور تَرْجعْلي خمسايتي اللي اشريت بيها تيمبر.

ضحك المختار، وقال له: عل اعليّ ذا اللي قلت

فأعاده الرجل.. فضحك المختار من جديد.

قال الرجل: اطوالت، انت لاهي اتم تظحك الين اينت؟ كول لاصحابك ايردولي خمسايتي ونتوادعو.

فقال له الرئيس المختار: أيو انت اش كنت ادور؟

فقال: كنت اندور العمل

قال المختار: الصبح ايلين تمسح وجهك من اصلاة الفجر، كيم واعد الوزير الديين ولد محمد أحمد، واندورانعود فت اتكلمت امعاه اف موضوعك.

وفي الصباح الباكر دق ينجى باب منزل وزير الداخلية بعنف، فاستقبله الديين بأريحيته المعهودة أيضاً، وقال له: شنهو العمل اللي يصلح لك؟

فقال: اندور انعود ابلانتوه في الرئاسة

رد الديين: لاهي نكتب ابراوه للرئاسة حالا، وكيسهم انت الصبح مع اصباح. 

تحول ينجى إلى عامل في الرئاسة. وفي مرات عديدة كان يدخل مكتب الرئيس فجأة ويجلس ويبدأ يتحدث ويلقى نكاته التي كانت تضحك الرئيس المختار بشدة.. وكان ينجى يعلق على ضحك الرئيس قائلا: يكلع بوه الراجل يظحك امالو؟