ولد داداه: رفضت إيواءَ المعارض المغربي المهدي بن بركة فى الستينات

أربعاء, 27/03/2024 - 23:30

خلال فترة الخلاف بيننا وبين المغرب، والتي امتدت حتى سنة 1969، لم نشأ أن نؤوي المعارضين المغاربة، رغم أن بعضهم أبدى لنا رغبتَه في الإقامة لدينا. وقد فعلنا كلَّ ذلك تفادياً لإعلان الحرب على المستقبل. وعلى الرغم من أنني قد قابلتُ السيد المهدي بن بركة عدة مرات في باريس ومرةً في كوناكيري، فإن اهتماماتنا وحواراتنا لم تتجه أبداً إلى التآمر ضد المغرب، بل كنا نتحدث كثيراً عن ما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين بلدينا في ظل الاحترام المطلق لاستقلال موريتانيا وسيادتها. وهذه العلاقات، فضلا عن ذلك، كان يتم تصورها في إطار المغرب الكبير وعلاقاته مع بقية الدول العربية وبقية الدول الإفريقية، أي إفريقيا السوداء. وكان السيد المهدي بن بركة يبارك ويثمِّن الدورَ الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا كأداة وصل بين المنطقتين.

وقد أبدى السيد بن بركة اهتماماً خاصاً بتجربتنا الفتية في مجال السياسة الداخلية، خاصة فيما يتعلق بإنشاء البلديات الريفية التي بدأنا تجربتَها. وكانت تلك التجربة الأولى في شمال وغرب إفريقيا وربما في إفريقيا كلها. وبالإضافة إلى تميزها بالأصالة، فقد كان من الممكن أن تفضي إلى نموذج للديمقراطية، وكان ابن بركه يقول: «إذا نجحت التجربة الموريتانية فإن دولا عربية وإفريقية، يمكنها أن تستفيد منها». وقد طلب مني النصوصَ التشريعية والتنظيمية التي تمت المصادقة عليها وخاصة قانون 25 يوليو 1960، فأعطيتُه إياها كلَّها. وقد ناقشتُ أيضاً بعضَ هذه الموضوعات مع الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد الذي كنتُ قد قابلتُه أول مرة في باريس سنة 1957 على نحو ما سبق أن ذكرت، وقابلتُه في باريس مرةً أو مرتين بعد الاختفاء المفاجئ والأليم للسيد المهدي بن بركه، ولم يعد يومَها عضواً في الحكومة المغربية. وقد اختلفتْ مواقفُه اختلافاً بيناً عن ما كانت عليه سابقاً؛ فموريتانيا بالنسبة له لم تعد جزءاً لا يتجزأ من المغرب، ولكنها جزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير الذي كان بناؤه ومستقبله الشغل الشاغل لديه.

وأعودُ إلى ما أشرت إليه سابقاً بشأن لقائنا الذي تم بمبادرة من الأستاذ فينصان مونتي، والذي أصبح اسمه منصور الشافي بعد اعتناقه الإسلامَ رسمياً في نواكشوط سنة 1977، وهو صديق حميم لي. وقد ظل مدافعاً لا يعرف الكلل عن القضايا التي آمن بعدالتها، كما كان يتحلى بكثير من الكرم والإيثار، وبفضله التقينا وفهم بعضُنا بعضاً، وكثيراً ما يتم لقاؤنا أنا والمهدي بن بركه والأستاذ عبد الرحيم بوعبيد في منزله.

 

المختار ولد داداه/ «موريتانيا على درب التحديات»

اقلام