بقية مقابلة د محمد ولد محمد الحسن مع انسياتيف انيوز (InitiativesNews)

أحد, 04/08/2019 - 12:48

"إن الحديث عن الانجازات معناه الانتقال من مرحلة التصور الذهني إلى مرحلة الإيجاد الفعلي في الواقع الملموس". وهذه القاعدة أو التعريف الجامع المانع يخرج من الدائرة الاقتصادية والمالية كل مشاريع الحقبة العزيزية.
محمد ولد محمد الحسن، أستاذ جامعي والخبير الاقتصادي والمالي، يراقب الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في موريتانيا، كتب عدةض مقالات، وقد نشر عبر منبر هذا "حوليات سنوات عزيز وهي عبارة عن تحليل يرصد فيه حصيلة عشر سنوات حكم محمد ولد عبد العزيز والذي تنتهي مأموريته الثانية والأخيرة بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر يونيو 2019.
في المقابلة التي خص بها انسياتيف انيوز، يعطي الدكتور محمد ولد محمد الحسن قراءته لما تسميه الحكومة القديمة إنجازات عند الحديث عن تغيير بعض الرموز الوطنية وعن بعض المشاريع.
إنسياتيف انيوز: يفتخر ولد عبد العزيز وأنصاره بأنه قدم لموريتانيا جملة من البنى التحتية الهامة مثل المطار الجديد وقصر المؤتمرات والمركز الوطني لأمراض القلب وغيرها من المنشآت، فما هو ثمن ذلك حسب رأيكم في ضوء الوضعية المعيشية للمواطنين الذين تعيش غالبيتهم في ظروف حالة طوارئ؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: أتمنى أن تكون فوائد هذا المركز المخصص لأمراض القلب أكثر من مضاره. إن وجود المراكز الصحية المتخصصة في الأحياء السكنية المكتظة بالسكان قد تكون له مخاطر على المرضى وعلى الجيران. أما عن التكلفة المالية فليست عندي أي فكرة.
أما ما ينقذ الأرواح البشرية أو يحسن من صحة الموريتانيين فلا يمكن تقييمه إلا من خلال الفعالية والقيمة النسبية له. وقد صدق دي مونتان عندما قال: "مهما يكن فإن قياس الرجال وحياتهم ليس بالنقود".
أما بخصوص المطار الدولي فهو النموذج الأوضح لمشروع مضخم وبعيد عن الشفافية، ويتم تبرير المشروع بأنه يلبي الحاجة إلى استقبال مليونين من المسافرين سنويا وهذا العدد يفوق خمس مرات الحركة الحالية للمسافرين حسب الإحصائيات الرسمية لتلك الدوائر التي لامصلحة لها قطعا في تخفيض الأرقام الخاصة بحركة المسافرين. فهل يمكننا أن نتوقع الوصول إلى خمسة أضعاف هذا العدد في واقع نمو موريتانيا قبل الاندثار التام لمنشآت المطار ومدرجاته.
في تقرير لصندوق النقد الدولي، قال الخبراء – وبصراحة تامة – "إنهم لايصدقون سعر المتر المربع المحدد بمبلغ 600 أوقية قديمة". ألم يكن من الأفضل توسعة المطار القديم ومضاعفة قدرته على استقبال المسافرين وتخصيص الموارد التي أهدرت دون طائل في مشاريع أكثر أهمية في قطاعات أخرى (التعليم – الصحة مثلا).
نعم لقد كانت حالة الاستقبال في المطار القديم ضيقة ولكن ألم تكن هناك توسعة ممولة من قبل الوكالة الفرنسية للتنمية AFD تكفي لعدة سنوات قادمة؟
أنسياتيف انيوز: حسب رأيكم لقد كان هذا المشروع غير مدروس وتم تسييره بصورة سيئة عند البدء وعند الختام.
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: إن عدم الشفافية المالية والإدارية طبعت هذا المشروع. إن الصفقة التي لم يعلن أبدا عن قيمتها لامثيل لها في تاريخ البلد ولا في أفريقيا بل وحتى العالم قاطبة. وهو نوع من مشاريع ما قبل التاريخ وهو ينتمي إذا إلى الاقتصاديات التي سبقت النقد.
لقد تم إعطاء المشروع في إطار صفقة بالتراضي من نوع تبادل بضاعة ببضاعة لكن بشكل كبير: فالمطار مقابل قطع أرضية في منطقة سكنية وأرض المطار القديم في وسط العاصمة. وعليه أصبح من الصعب تحديد سعره الاقتصادي أو حتى تقدير تكلفته فقط بل إن ذلك أصبح مستحيلا.
وفي تقرير لصندوق النقد الدولي، قال الخبراء بصراحة إنهم لايصدقون ثمن المتر المربع البالغ 600 أوقية قديمة (أي أقل من دولارين، وهو ما يعادل 300000 أوقية قديمة لقطعة أرض مساحتها 500 متر مربع)!
وهذا الثمن هو الذي قدمته الحكومة الموريتانية إلى الصندوق لما طلب سعرا يمكن حساب الاندثار والتكلفة على أساسه.
ومن المعلوم أن سعر المتر المربع في هذه المناطق أكبر 20 مرة من هذا السعر وقد يصل إلى 100 ضعفه في المناطق التجارية الاستراتيجية.
انسياتيف انيوز: إذن لماذا تمت المبالغة في تخفيض سعر تكلفة المطار؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: أترك لكم تخمين ذلك. إنه وفضلا عن مسألة الحكامة الرشيدة وسعر التكلفة أو المردودية، فإن وضع قطع أرضية بأعداد لامتناهية وبشكل مفاجئ في سوق العقارات لن يكون لها إلا نتائج مدكرة وسلبية بل وكارثية وتسبب كذلك في عدم استقرار السيولة النقدية وسوق الرهون العقارية، وبالتالي وبشكل عام على النظام المصرفي.
إن النتائج السلبية ستصيب كذلك صاحب المشروع لأنه لن يتمكن خلال عشر سنوات قادمة من بيع قطعه الأرضية في ضوء العرض الكبير والطلب الحقيقي القليل وبالتالي لن يستطيع تغطية الأموال التي أنفقها على تنفيذ المشروع. من ناحية أخرى يمكن الشك في سلامة الاستثمار من الأساس، ومرة أخرى، لم يتم احترام القوانين الاقتصادية ولا المصلحة العامة ولا تم اتخاذهما في الحسبان.
وبشكل عام وفي الملخص المفيد، نقول إن إنجازات هذه المرحلة لايمكن تسميتها بالاستثمارات (وهو ما أكدناه سابقا)، ولا حتى إنجازات أصلا.
انسياتيف انيوز: لماذا لايمكن الحديث عن إنجازات حسب رأيكم؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: لايمكن اعتبارها إنجازات بالمفهوم الاقتصادي لأن معنى "الانجاز" هو تحويل الشيء من طور الفكرة والتصميم إلى طور الشيء الموجود. وهذا التعريف لكلمة "إنجازات" يخرج من المفهوم الاقتصادي والمالي كل إنجازات عهد عزيز. فهذه الانجازات لم تمر أبدا بطور الدراسة الاقتصادية، ولو أنها مرت بتلك المرحلة بصدق لتم رفضها والقضاء عليها منذ البداية لكونها لامردودية اقتصادية ولا مالية لها، والجدوائية معدومة فضلا عن كونها لاتأثير إيجابي لها على الاقتصاد الوطني وهي غالية جدا ومبالغ في تقديرها ولا تفيد في شيء. فلو كان هناك دراسة وتصور لهذه المشاريع من الناحية الاقتصادية أو المالية لكان من المناسب التخلي عنها قبل أن تبدأ أصلا.
قصر المؤتمرات شقيق وتوأم المطار الذي عدد رواده ضعف عدد شعرائنا وهو موضوع صفقة بالتراضي بملغ 14 مليار تم رصدها في زمن القحط والجفاف حين مات عدد كبير من المواشي وهي ثروة متجددة كان يمكن إنقاذها لو خصص لها 10% فقط من هذا المبلغ الضخم ولإعطائكم فكرة عن هذا الإنجاز نقول إنه كلف 10000 رأس من الإبل ومليون رأس من الغنم.
إن الآثار الكارثية لهذه "الإنجازات" كما يحلو للبعض أن يسميها واضحة وضوح الشمس في المالية العمومية وفي الحسابات الخارجية للأمة وفي مستوى الدين وخدمته وفي القيمة الخارجية للعملة والقدرة الشرائية لها في الداخل. وهكذا يتم إغلاق القوس السلبي وما يسمى علوم الاقتصاد "الحلقة المفرغة ذات الصيت السيئ.
وباختصار نقول إن الآثار الكارثية والمدمرة لإنجاز هذه المشاريع تشمل كل جوانب الاقتصاد الوطني بل ويمتد التأثير نحو البلدان المجاورة وشركائنا الاقتصاديين والتجاريين والماليين. قد تكون هذه المشاريع صممت من الناحية التقنية بشكل جيد وقد تكون مفيدة وربما هي أعجوبة تكنولوجية وأعمال معمارية باهرة لكن كل ذلك لايشفع لها أبدا في كونها ليست مستعجلة وليست لها أية مردودية عقلانية من الناحية الاقتصادية أو المالية.
انسياتيف انيوز: تقولون دون مواربة أن هذه المشاريع لها آثارا كارثية ومدمرة على كل الاقتصاد الوطني بل وتتجاوز حدود الوطن، أليس هذا حكما قاس جدا؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: لتوضيح الصورة أكثر ولمتابعة البرهان حتى النهاية، ولتفسير فكرتي وحكمي في الموضوع، يمكننا أن نتخيل السناريو التالي: الدولة الموريتانية ورئيسها يقومان بتصفية كل ما نملك على هذه الأرض من ثروات لبناء مطارنا الذي يضاهي مطار ارواسي شارل ديكول وبرج إيفل عندنا ونوتر دام دي باري هنا بل وهرم اللوفر وأكثر من ذلك أهرامات الجيزة بمصر... وبالتالي تحويل البلد إلى صحراء قاحلة لانرى فيها على مد البصر إلا هذه الانجازات محفوفة بالمقابر.
نعم بعد هلاك العباد والبلاد، سيجد الصينيون وشركات التنقيب عن الغاز والمعادن وسائل للعيش في تلك الجنة البحرية والبرية، وبل وتحت الأرض. أما نحن - الموريتانيين – فسنجد لشعبنا وللمشرفين على حفر القبور ودفن موتانا الرحمة والغفران في الآخرة!
بالله عليكم هل تعتقدون أن الموريتانيين سيكونون أكثر سعادة بعمل فني لفنان مصري دفعت له مبالغ طائلة أخذت من دماء وعرق الشعب في سنة قحط وجفاف من عمل فني تاريخي خالد من إبداع الفنان العظيم سيداتي ولد آب، أبي سدوم والفنانة ملكة الطرب والفن ديمي بنت آب - رحمة الله علينا وعليها -.
انسياتيف انيوز: خلال السنوات الأخيرة حدثت تغييرات لم تحظ بإجماع الشعب الموريتاني: تغيير العلم، النشيد الوطني الجديد، تغيير أسماء الشوارع، تغيير العملة... إلخ. ألم يكن أجدر برئيس الجمهورية في نهاية مأموريته الأخيرة أن يحول اهتماماته إلى أولويات أخرى؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: راية؟ نشيد؟ شوارع؟ تقولون إن تعديل العلم والنشيد واسماء الشوارع لم تحظ بمباركة جل الشعب الموريتاني. اسمحوا لي أن أكون أنا السائل هذه المرة. بالله عليكم هل رأيتم ومواطنا واحدا قبل الاستفتاء الذي فرضه الرئيس ودفع بالمواطنين إلى لزوم البيت يومئذ – يقترح أو على الأقل يطالب بتلك التعديلات؟ هل قرأتم في حياتكم ولو مرة واحدة كصحفي مقالا أو منشورا سريا أو كتابا يقول فيه شخص أو عدة أشخاص إنهم يطالبون بتلك التعديلات؟ هل رأيتم مظاهرة في الشوارع أو لائحة مطلبية؟ وهل هناك شيء يساوي عندهم البركة والقيمة المعنوية لباب ولد الشيخ سيديا حتى ولو كانت اليوم أكبر ثروة في البلاد تم تحصيلها بشكل مخزي وبطرق غير شرعية؟
إن اللون الأحمر وهو أقبح الألوان في تراثنا لأنه لون الدم ولون نار جهنم، لون الجنون، لون الخسارة والعجز المالي، لون الدين، لون الفوائد الربوية، لون الأرض القاحلة (رك أحمر) والوقاحة (أمنكار لحمر)، هذا اللوان غير المحبب، بم يمكن تبريره حتى يخلق في سماء موريتانيا وفي قلوب الموريتانيين فوق وتحت لون الجنة الخضراء، لون السعادة والخضرة الزاهية. لون هذا العلم الذي كافح تحته حتى الموت جنود بواسل بذلوا ارواحهم للوطن وساندتهم طائرات جاكوار (Jaguar) التي حالت دون تدمير اسنيم وانواذيبو والسكة الحديدية لصد الأسلحة السوفييتية، حينها لم يكن الساعون الآن في تدمير اسنيم يعلمون ما يخبئ لهم القدر.
إن ذلك العلم هو صنو الحدود والحوزة الترابية بالضبط، يستحق التكريم حقا والإجلال صدقا، ولا يجوز المساس به.
انسياتيف انيوز: ماذا تقصدون بهذه التساؤلات؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: أقصد بها أن ذاكرتنا يجب ألا تكون مزدوجة الأطوار فأحيانا تكون قصيرة جدا وأحيانا أخرى تكون طويلة جدا. أنا أطالب بالوسط بالاعتراف بالجميل صنوان لشعار الوطن: شرف - إخاء – عدالة. إن المشكلة مشكلة شخصية تتعلق بالسيد الرئيس، وأنا لا أحب الحديث عن الأشخاص فضلا عن القيام بالتحليل النفسي لهم. هذا لغز.
انسياتيف انيوز: عند الحديث عن الذاكرة، نجد الرغبة الجامحة في تغيير اسماء الشوارع والطرقات.
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: الطرق؟ مسكينة! ما هو الجرم الذي ارتكبته حتى نغير أسماءها ؟ صحيح هي ليست نظيفة كفاية لكن الأولى أن ننظفها. من من سكان انواكشوط يعرف اسم شارع ما عدا اسم الشارع الذي تم تغيير اسمه بالتحديد؟ ما الفائدة من حذف العلامة الوحيدة (شارع جمال عبد الناصر، عبرة من أسرة التحرير) على مخطط عاصمتنا والذي يعرفه السكان والزوار على حد سواء. وأنا متأكد من أنه – على غرار الاسم المفرد الذي أطلق زورا على مطار انواكشوط - خلافا لما جرت به العادة في الدول المجاورة حيث تحمل مطاراتها الدولية اسم سنغور – الحسن الثاني! والذي سيصبح يوما ما يحمل اسم المختار ولد داداه أب الأمة وأن الرموز الأخرى ستعود إلى اللون المعتاد لها واللحن والموسيقى السابقة والأسماء التاريخية الشرعية والطبيعية لها.
وربما يكون الهدف من ذلك، كما يفعل الرجل الذي لارحمة في قلبه، هو وضع علامته الخاصة به - حيازة وامتلاكا - على العلم والنشيد وكل ما هو مرئي أو مسموع في البلاد. لعله لم يكن يريد إيذاءنا ولكننا بالتأكيد تألمنا كثيرا مثل تلك الحيوانات التي تحرق أجسادها بالنار بعد تقييدها بالحبال والسلاسل بدون أية رحمة أو رأفة لوسمها.
وانطلاقا من السلطة التي بيده قام بتلك التغييرات ووضع تلك العلامات تلبية لرغبة دفينة لديه لم يضعهما شعب بأكمله. إنه رغبة جنونية عند الرجل الذي علم أن النسيان قد طوى الذي سبقوه، فأراد أن يفرص على البلاد علامته كما توضع على الجمال وكما يتم ترقيم السيارات وتسجيل الملفات العقارية.
لقد استغل منصبه كرئيس للدولة فمرر كل ما يريد وأراد أن يترك بصمته في كل مكان.
وما دام لايؤمن إلا بما يرى أو يسمع فقد أراد – دون شك – أن يكمل إنجازاته المادية بأخرى معنوية أو تعويض تلك الوعود التي لم يستطع أو لم يرد الوفاء بها مثل القضاء على الفقر والفساد.
وعندها فقط نفهم بعد المثل الحساني المشهور (اشبه كوام من جياب) أي أن المسير الرشيد للموجودات خير وأفضل من المحصل.
لقد أجبت على سؤالكم احتراما لشخصكم الكريم ولمهنتكم الشريفة والآن اسمحوا لي أن أطرح عليكم السؤال التالي: لماذا لاتقولون إن هذه التعديلات لم تكن مطلوبة ولا مقبولة من شعبنا بل فرضت مؤقتا عليه.
للمزيد يرجى العودة إلى: حوليات سنوات ولد عبد العزيز، خامسا: لقد أصبحنا في المأزق نولي الظهر للحائط.
انسياتيف انيوز: شكرا لكم على قولكم ذلك. والآن ماذا عن العملة؟
الدكتور محمد ولد محمد الحسن: كل ما يتعلق بالعملة فهو حساس جدا.
إن أي تعليق من قبل شخص لايعمل في المؤسسات المالية ويملك الأسرار الخاصة بها لن يكون إلا نوعا من المضاربات والرجم بالغيب. كما أن الكلام في الموضوع دون الإلمام التام بتلك الأسرار قد يعرض اقتصاد البلد للخطر والضرر. وعليه فهذه مجازفة قد تكلف الكثير ولا أستطيع أن أقول أكثر من هذا.
وعلى كل حال فهذه التغييرات قد تكون بردا وسلاما على الاقتصاد كما أنها قد تخفي نوايا ستتكلف الأيام القادمة بكشفها بعد هذه الانتخابات.
أجرى الحوار: ك. توكا