اقتصادنا وصل الي حالة اقتصاد الديون وعلينا انتشاله قبل مرحلة الإفلاس

أربعاء, 11/12/2019 - 22:32

للحديث عن الاقتصاد لابد وان نعرج بادئ ذي بدء على اشكالية من اين نبدأ؟ وأي الجوانب الأهم في الظرفية ؟
مع الأخذ بعين الاعتبار لما ينير ويثقف الجمهور 

واعتبارا لهذه الاعتبارات فان من ألقى نظرة ولو خاطفة علي التقارير و الميزانيات سواء المتعلق منها بالدولة ومؤسساتها او القطاع الخاص او الأفراد او الا قتصاد الكلي لا محالة سيلاحظ ضخامة الديون وكثرة الأعباء المالية والتكاليف الناجمة عن  خدمة الديون والتي لها دور كبير في الخسارات pertes وتستحيل المردودية والإنتاجية معها 
كما يصعب تصور قدرة الجميع علي تسديد مستحقات هذه الديون فضلا عن صعوبة تحاشي الإفلاس.
كل هذه الاعتبارات تجعل اقتصادنا من نوع الاقتصادات ذات الديون المفرطة جدا إن لم نقل إن مستوى الديون تجاوز حد الطاقة ٠٠

فقبل ان نصل الي هذا المستوي كان اقتصادنا اقتصاد ديون كما هو حال الدول المتخلفة اقتصاديا 
ومثل هذا الاقتصاد يمتاز بكون تمويله يعتمد اساسا علي خلق العملة من طرف البنوك التجارية (الذي تعرضنا له بصفة مفصلة في كتابنا حول العملة الصادر موخرا ) كما يمتاز بنظام الوساطة المالية بين العملاء الاقتصاديين في قطاعات الاقتصاد الحقيقي الذين يحتاج بعضهم إلى التمويل والبعض الاخر يتمتع بفائض مالي ادخاري . 
وفي اطار هذا النمط يكون البنك المركزي هو الضامن لسلامة واستقرار النظام المصرفي والوساطة المالية ويمول البنوك عند الحاجة كما في حالة الأزمات مكرها لا بطلا
هذا الشكل من الاقتصاد المبني علي التسليف الداخلي والخارجي هو السائد بل اكثر من ذلك هو المحرك الرئيسي للنشاط الانتاجي للمؤسسات والأفراد. 
و لم يكن الاقتصاد الموريتاني الحديث الا اقتصاد ديون خاصة منذ أنشئت العملة الوطنيةً وأسس البنك المركزي وبرزت بتشجيع منه بنوك تجارية تابعة للدولة أو للبنك المركزي.
فلا يوجد سوق مالي محلي وليست هناك الية اوًامكانية ربطنا بالأسواق  المالية عبر العالم الي جانب أن المصارف تقوم على  الدولة عن طريق  الخزينة -وهي ذراعها المالي والنقدي و مصرفها- بجمع الموارد المالية وقد أنشئت من حولها منظومة وهيكلة مصرفية ومالية ونقدية تمكن من تمويل الدولة في حالة نقص مؤقت في السيولة او عجز  دائم في ميزانيتها 
فهناك اكثر من موسسة ومشروع تودع أموالها عند الخزينة العامة وتلجأ بتنسيق مع البنك المركزي الي السوق النقدية.
وخلال الثلاثين سنة الأولي بعد الاستقلال كانت الدولة هي المسيطر والفاعل والناهي في قطاع تمويل الاقتصاد الوطني والمسير للقطاع المالي والمصرفي٠٠

وقد ساعد هذا النوع من الاقتصاد علي نمو البلاد والاستثمارات وعلى بروز مؤسسات كبيرة نسبيا ومتوسطة ورجال اعمال وبنوك وجاء بعد ذلك نوع من الليبرالية العمياء والانفتاح الأحول وفِي اتجاه واحد وكان ذريعة لخوصصة بل لشخصنة  البنوك وتأثر من ذلك نظام التسليف حيث  لم يعد محاولة لتلبية حاجيات تمويل الاقتصاد بصفة عامة 
وبطريقة مهنية بل أصبحت لدي مسيريه اعتبارات ذاتية وعائلية وأولويات مؤسسية فيما يتعلق بالتسليف بل
وتدخلت جهارا نهارا وجهلا بما هو فضيحة في العالم كله بتمويل السياسة والانتخابات خاصة الرياسية منها فقلت وضعفت المراقبة على البنوك من طر ف الدولة وممثلها البنك المركزي فاصبح العرض التمويلي لذا اقل ملاءمة للطلب التمويلي 
لسد الفراغ وظهرت آليات وطرق غير مصنفة اقتصاديا وغريبة علي المجتمع ( اتبتيب شيبكو ) وأصبحت شيبكو تمول اتبتيب 
وعرفت المؤسسات التجارية 
والصناعية الوطنية الناشئة منافسة الشركات الأجنبية التي وجدت ارضية ملائمة تمتاز بالفساد والرشوة والدين الخارجي فتضاعفت ديونها 5 مرات خاصة في السنوات الثلاث الاخيرةً
وأصبحنا علي راس لايحة الدول الأكثر ديونا نسبيا في أفريقيا وفِي العالم 
اما الموسسات العمومية
فانها لم تحصل فيما يبدو الا علي دعم ضئيل من ميزانية الدولة مقابل عدم  مراقبة التسيير فامتهن مسيروها نهج الفساد والإفراط في الاستدانة ورفض تسديد ديونهم 
وهكذا انتقل الاقتصاد الموريتاني من اقتصاد ديون الي اقتصاد ديون مفرطة 
وحدثت قفزة نوعية ابتداء من 2015 حيث اصبح الدين جد مفرط وبدات حالات افلاس تنذر بما هو اعظم 
واصبح من الصعب علي جميع العملاء الاقتصاديين  دولة ومؤسسات وأفرادا تسديد ديونهم
    
وبما ان لهذه الوضعية اخطارا وتداعيات يجب علي الموريتانيين ان يعوها ويدرسوها دراسة دقيقة ومعمقة 
ليكتشفوا المواقف الممكنة امام اقتصاد هذه طبيعتة ومن ثم يستنتجوا الحلول ٠
اما سياسة النعامة وتجاهل الواقع واما الاقتباس من حكمة تيب التي طلبت من دائنيها ان يقوموا بعملية compensation مقاصة؟ بين ديونهم لتبرئ ذمتها من دينهم 
وأما ان يقبلوا الواقع ويرسموا خططا لتفادي الخطر ليخرجوا الى بر الامن وياتي اليسر بعد العسر 
وهذا ما سنعالجه في المقالات القادمة ان شاء الله تعالى.

الخبير الاقتصادي الدكتور محمد ولد محمد الحسن