رسالة الى برامة / الدكتور محمد ولد محمد الحسن .

أربعاء, 26/02/2020 - 14:22

رسالة الى برامة / الدكتور محمد ولد محمد الحسن . بعد التحية

هذه الضجة التي ثارت حول حديثكم في جنيف عن الأبرتيد لم يكن في نيتي الرد عليها للأسباب الآتية:

 

- السبب الأول: أنكم في الخارج وإذا ما كنت سأجيب فإني سأنتظركم حتى تعودوا إلى أرض الوطن.

 

- السبب الثاني: أني كنت قد بعثت إليكم مؤخرا برسالة عن طريق الصحافة نصحتكم فيها بتجنب كل ما سيشوش على جو التهدئة والانفتاح الذي آمل أن يمثل فرصة لإنجاز حصيلة، والقيام بتقويم وضعية، والتشاور على مستقبل يخرج البلاد من المأزق الذي توجد فيه، وفي تلك الرسالة مسائل بين السطور أعرف أنك ستفهمها، فلما لم تستجب لذلك لم يعد من الضروري عندي أن أعيد لك الكرة.

 

- السبب الثالث: أن هذا النوع من التصريحات والفقاعات أعتبره استفزازا، ولا يملك من القيمة إلا ما ستعطيه الناس التي تقوم بالجواب عليه، فالذين يقومون بهذا النوع إنما ينصبون فخا كي يتم الحديث عنهم أو عما قالوا، وأنا بطبعي لا أحب أن أقع في مثل هذا الفخ.

 

- السبب الرابع: أن أي شخص لم أتعارف معه بعد لا أحب أن يكون الجدال والنقاش هو أول ما يربطني به، ولا أن أقدم له نفسي ونظرتي قبل أن أقدم له نظرتي عن نظرته. أما الانتقاد والعيب فليس في قاموسي إطلاقا.. وإذا تصلب أي طرف على موقفه أثناء نقاش ما، فلن يكون هناك جديد حتى بطرأ موقف آخر.. لكن قبل ساعة وردت إلي صوتيات منكم تردون فيها على ولد محم وولد بوحبيني وجميل منصور، فشعرت أنه علي أن أتكلم إليكم مسلما عليكم وراجيا لكم الشفاء من الله تعالى.

- السبب الخامس: أنه ما يفعل الله بعده المؤمن إلا خيرا، وفترة المرء في المستشفى يمكنها أن تكون فترة تأمل ومراجعة للنفس، وتلك التأملات يمكن أن تطرأ له خلالها أفكار جديدة فيحسن من خططه وبرامجه، وهذا ما جعلني سأتوجه إليكم ببعض الأمور التي أقترح عليكم أن تمعنوا فيها التفكير.

 

أولا: سأقول لكم ما أعتقده عنكم أنتم كإنسان لأنكم بمثابة أخي الأصغر،  ومن سبقكم بليلة غبنكم بحيلة كما يقول المثل.

 

ثانيا: سأتحدث لكم عن العلاقة التي بيني وبينكم، ثم عن هذه المواضيع التي تحدثتم فيها.

 

ثالثا: سأسرد عليكم عددا من الأمور منها ما يتعلق بالاقتصاد، ومنها ما يتعلق بالتاريخ والمجتمع أنبهكم عليها وأخبركم برأيي فيها.

 

وأخيرا سأقوم بتحليل نقدي لمساركم السياسي.

 

أولا: ما أعتقده عنكم

أعتقد أنكم إنسان ذكي، وأنكم خطيب تعرفون كيف تختارون لكل قوم ما يؤثر فيهم من الخطابات، وأنكم مناور تعرفون كيف تدخلون المناورات في السياسة، وذلك قليل في أهل السياسة خارج السلطة، كما أنكم ابراغماتي "الحاضرة عندكم بصيرة"، وأنكم تكتيكي أي أن مخططاتكم قريبة المدى، وأنكم تعرفون اللعب على العواطف، وأنكم تنتهزون الفترات التي تشعرون أنكم قادرون على توظيفها للدعاية لنفسكم، وأنكم تعرفون كيف تكونون في كامل أناقتكم وكيف تعتنون بهدامكم، وهذا كله له قيمته في مجال الشخصية. وهي كلها نقاط قوة تصب في كونكم تمتلكون جذابية وقدرة على التأثير في الناس.

وأعتقد من جهة ثانية أن عندكم مسائل أخرى يجب أن تنتبهوا لها حتى تحسنوها أو تغيروا منها:

- الأولى أعتقد أنكم طموحون طموحا زائدا على الغرض وذلك قد يجر صاحبه لما لا تحمد عقباه، وأعتقد أنكم لا تعدمون أنانية وطرح اعتبار لمصلحتكم الخاصة، وذلك قد يكون بسبب حب الظهور والرغبة في النجاح، لا من جهة حرصكم على نفع مادي فأنا الجانب المادي لكم لا اعرف عنه شيئا، وأعتقد أنكم أكثر "اتبيظين" من "اتبزكي" بل أنتم "بيظاني" جدا، وأعتقد أنكم صاحب علاقات وأنكم جريئون على جميع أنواعها لكنكم لا تعرفون الغرب، فالشعوب لا يعرفها إلا من ساكنها في أرضها، ومعرفة اللغة وحدها دون معرفة ثقافة قوم وحياتهم لا تكفي، كما أعتقد أنكم لستم استيراتيجيا ولا تفكرون على المدى البعيد، وأعتقد أن ما تمارسونه أقرب إلى الشعبوية منه إلى الاستيراتيجية والمصلحة، وذلك قد يؤثر على بعض المراهقين لكن قد يرجع على صاحبه كما وقع مثلا للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. وأعتقد أنكم ككثير من المسؤولين وأهل السياسة مغرورين بما تفعلونه، وأعتقد أنكم غير مطلعين على الأوضاع الاقتصادية للبلد ككثير من الناس هنا، والبلد كالشجرة وأنتم ما بين يديكم منه كغصن من أغصانها لا يمكنه أن ينمو بدونها وإذا قطع منه يبس.

 

ثانيا: علاقاتي بكم والمواضيع التي تحدثتم عنها

 

أنا لم يسبق لي أن التقيت بكم إلا مرة واحدة 2007 حيث ألقيت محاضرة أقدم فيها مشروعا ابتكرته يطلق عليه "الديمقراطية الاحتوائية للدول ذات العجز في الموارد" تمت تغطيتها من طرف العربية والجزيرة وتلفزة الموريتانية قبل أن تقاطعني هذه الأخيرة، وقد حضر هذه المحاضرة عدد من الشخصيات، وأنت لم تتطرقوا إلى الموضوع بل تدخلتم ووبختم الحضور ووبختم البيضان، ولا أذكر أنكم تطرقت إلي أنا، وقد تقدمت الفكرة التي قدمت في محاضرتي هذه حتى طبقت في فرنسا واستحسنها الين جيبي الذي طلب مني أن أشاركه في حملته، وأنا من أسرة فيها شيوخ وأشياخ وعرب تخلوا عن السلاح وحراطين متحابين فيما بيننا، وكلنا يعين الآخر حسب موقعه، وهؤلاء الحراطين قدموا معنا إلى تجكجه من شنقيط وقبل ذلك من آبير وتبلبالت، ولم يسبق عليهم الرق: نغرس النخل جميعا ونأكل التمر جميعا وأكثر نخلهم من نخلنا وتجكجه التي ننحدر منها أدركتها وليس فيها سائل ولا عبد. قد يجدون شخصا في حالة أسر أو ضيق ويفكون أسره، فيصبح واحدا منهم..

وحتى لا أطيل عليكم يمكنني أن أقول لكم إن هناك أسرتين كنت قد عزمت على نقلهم من دار الفقر إلى دار الغنى إحداهما من الزنوج والأخرى من الحراطين، ولم أزل أنصحهم وأعينهم حتى استتبت أوضاعهم، وأستطيع أن أقدمهم لكم حتى تستمعوا إلى تجربتهم لأن من هو مثلكم ينبغي أن يقوم بهذا النوع من المبادرات.

 

ثالثا: عدد من الأمور منها ما يتعلق بالاقتصاد، ومنها ما يتعلق بالتاريخ والمجتمع أنبهكم عليه وأخبركم برأيي فيه

 

انتم ولله الحمد لكم عينان، وككل شخص يجب ان تفتحوا إحداهما على ما هو إيجابي والأخرى على ما هو سلبي، وإذا لم يغض شخص الطرف عما هو سلبي فيجب الا يغضه عما هو ايجابي.

واعلموا أن الحراطين قد فضلهم الله على كثير من الناس واعطاهم كثيرا لم بعطه لغيرهم. فاولا اعطاهم انهم مسلمون والثانية ان لديهم لسانا عربيا فصيحا ولغة دولية عالمية، وهذا لا تتوفر عليه كل أهل إفريقيا السوداء.

نحن بيض ومع ذلك كثير منا سود فلون الجلد لا معنى له لأن المعيار هو الحضارة والثقافة وذلك هو ما يجمعنا مع الحراطين: العيش والكسكس والحناء و"الناس بيظان والديكه ماهي خالكه"، وأهم شيء عند الناس في حضارتها لغتها فهي التي تعرف بها وتسمى بها: البولار القريبون منكم أطلق عليهم هذا الاسم لأنها هي لغتهم،وفرنسا سميت باسم لغتها الفرنسية والألمانية لغة الألمان وكثير من الدول هذا شكله ونحن اهل الحسانية.

من ناحية أخرى اذا كنت تعد نفسك شيخ عامة للحراظين او امير ا لهم او سيدهم فيجب ان تبحث لهم عن الصديق وتقلل لهم من العدو، والصديق سيكون طبعا في اكثر قوم تربطه بهم نقاط مشتركة فقل لي بربك اين هي على امتداد الكرة الأرضية مجموعة أقرب للحراطين من البيضان او العكس. في الحقيقة البيضان من الحراطين والحراطين من البيضان.

لقد حكمت امارات البيضان فعلا هذه الارض، رحم الله تعالى اجدادنا وأجدادك لكن أصبحت لهم فترة عن الحكم، فقد جاء الاستعمار وحكم بعدهم واستعبدنا جميعا، ألئكم لهم أزيد من قرن وهذا الاستعمار هو الذي يلينا ومعقول أن هذا الأخير  أكثر تأثيرا من ذلك القديم وأنا لم أسمعكم تذكرون مخلفات الاستعمار. لقد ترك المستعمرون بعدهم اناسا علموهم لكن لم يدخلوا مدارسهم الا ابناء الشيوخ.. 

النقطة الاخرى موريتانيا مليئة بالخيرات والمعادن لكن ظلت تنهبها الشركات الغربية إلى أن جاءت الصين فاصبحت أشد نهبا، لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة ويعطون قليلا لمن لديه السلطة او لميزانية الدولة اولا يتركون لها شيئا وهذا هو الغبن وهولاء هم من يجب ان يلتف حولهم البيضان ببيضهم وسودهم وبقية اهل موريتاناحتى ينتزعوا منهم شيئا يغني من جوع، وهولاء لم اسمعكم تذكرونهم.

صحيح أن بعض الناس اختلس بعض الاموال العمومية، وبنى الدور والقصور والسيارات وهذا لفت انتباه الكثيرين بيضانا وحراطين وزنوجا لكن يبقى الجزء الأكبر هو ما ذهب به الأجانب.

وإذا رجعنا إلى الماضي وما كان عليه البيضان وجدنا أن البيضان البيض كان اكثرهم اهل تنمية والبيضان السود كان اكثرهم اهل زراعة والزراعة افاتها كثيرة ولا تعيل ذويها إلا كفافا، بينما التنمية اكثر مردودية واهلها يمكنهم ان يجلبوا جمالهم إلى السينغال أو مالي أو كوت ديفور  ويجعلون منها تجارة ويقتصدون ليؤسسوا منها رأسمال، وقد يأخذون جمالا ويبيعونها في انواكشوط ويشترون بثمنها ارضا ويؤسسون عليها دكانا فيكون هذا بداية تجارتهم التي هي مصدر 90 ‎%‎ من الثروة. بينما الذين كانوا يزرعون اذا جاءوا لانواكشوط جاؤوا خاويي الوفاض لانهم لم يكونوا يمارسون نشاطا يدر فائضا فيبدأون في معاناة الحياة.. إذ من أسباب هذا الواقع نقطة الانطلاقة والبيضان البيض كثير منهم هاجر إلى السعودية أو الكونغو أو انكولا أو امريكا أو الامارات حيث الوفرة، ويقتصد حتى يحمع رأسمال، يقول كول برايت "إن رأس المال لا ي إلا يجمع إلا من الصوم"، وربما كان سبب هذه الهجرة أن البيضان البيض كانوا يتتبعون الغيث فصار الترحال سهلا عليهم والاخرون تعودوا الاستقرار وصعب عليهم ان يهاجروا.

هذه مسائل أنبهكم عليها حتى تعلموا ما هو أصل الثروة وتقسيمها وتعلموا أن تحسين اوضاع الناس لا يكون الا بالتجارة والتعليم فلتكونوا واقعيين ومنصفين.

لقد دخلتم السياسة وأنتم شاب حدث تشعرون بقدراتكم، وقد جر لكم ذلك قدرا من قلة الكياسة بعضه مقصود وبعضه غير مقصود بسبب نقص التجربة واخطاء البدايات، لكن الآن أصبحتم رجلا كبيرا ونائبا ويجب ان تراجعوا نفسكم وتصححوا اخطاء الصغر.

واول خطا ارتكبتموه هو اسم ايرا فاسم ايرا الذي اخترتم سبقتكم له ايرا الجيش الايرلندي الانفصالي الارهابي، وهو شائع ومعروف. ربما أوقعكم في هذا الخطأ أجنبي لا يحب موريتانيا ولا يحبكم أنتم.

وإلى جانبكم افلام التي معناها النار بالفرنسبة، ولما عزمتم على إنشاء حزب سميتموه الرگ والناس إذا سمعوا الرك فسيتذكرون "الرك ما ينكس".

انتصر لكم الخارج والغرب ولكن ذلك ليس بهدف حقوق الانسان ولا العبودية، لماذا لا يقومون بنفس الشيء لمسعود ولد بلخير أو بوبكر ولد مسعود أو الكادحين، لقد قاموا بذلك لكم لأنكم سبق وأن أحرقتم الكتب ووجهتم انتقادات لبعض الممارسات المقام بها على أساس الدين، فاغلبهم لايحركه الا امور الدين لكن يلبس تحركاته لبوس الحقوق والعبودية.

ولعل موجب محرقة الكتب أن عزيز كان يواجه استياء وغضبا شديدا فوجد في قيامكم بذلك تنفيسا عنه. لقد ابتليت بعزيز كما ابتلينا به جميعا..

لقد التقيت عزيز مرة واحدة 2011 او 2012 وقال لي إنه وجد عندك ثلاثة رواتب فقطع منهم اثنان وترك لك ادناهم، وكان رايي ان يجمعهم لك في واحد، وكان قبل ذلك قد الزم بيحل 100 مليون وهدده بالسجن حتى سددها ثم كان اخر من بقي معه وانت وعزيز لا أعرف  طبيعة العلاقة بينكما لكن ساقول لكم ما لاحظت والناس يقولون اكثرمن ذلك.

الملاحظة الاولى: لم برخص ولد عبد العزيز ابرا لكنه لم يمنعها من اي شيء وسمح لها بما لا يعرف في الديمقراطية ولا لدى الاحزاب الاخرى، إضافة إلى أن عدم تشريع ايرا والرك حجة قوية لمن سيسافر إلى الخارج ويتحدث عن الظلم ولابارتايد، اذن ما فعله معكم عزيز يسمى سياسيا بالدعم.

 

الملاحظة الثانية: سجنكم مرات ولم تطل منها واحدة، والحبس ليس شيئا في جنب من يتخيل أنه سيكون منديلا، ولكن اخراج صورتك وفي يديك القيود يعض الفارق الذي بينك وبين مانديلا. ويمكن اعتبار تلك الصورة دعما لكم من عزيز

 

الملاحظة الثالثة: عزيز راى ان اهل موريتانيا في عهد معاوية تفرقوا على اساس عرقي ووجد أن سيدي خفف من حدة ذلك ووجد أن ذلك المفصل الذي يربط بين عظمي البيضان والكور لم يعد بالإمكان قطعه فجعل يحاول مع العظم الذي لا مفصل فيه (البيضان والحراطين)، وأراد منكم أن  تلعبوا الدور الذي لعبه بعض الشباب في الثمانينات وتسبب في احداث 89 ولم يعد الفرق بينكم الا حرف واحد: هم كانوا يقولون "لي بيدان" وأنتم كنتم تقولون "لبيظن" ويقال إن نفس الاسباب تؤدي إلى نفس النتائج.

ولم يقع ما كان يتوخى عزيز لأن هذا العظم هذه المرة بلا مفصل..

الذي بينكم وبين عزيز يشبه الاتفاق لكن لا أعرف هل هو مكتوب او سري او فقط من جهة أن القلوب تتراءى، كأنما قال لكم عزيز ساعينكم على ان تصبحوا زعيما وأنتم تعينونني على بقائي في السلطة بتفريق الناس عن بعضهم البعض.

وكان عزيز قد قال إنه سيمحو السياسيين من الخريطة وعزيز ذهب وأصبح خلف عجلة التاريخ بينما تعودتم أنتم على احتكار الساحة معارضا ومساندا في نفس الوقت، ولما وقع الانفتاح الآن ودخلت عليكم الساحة ظهر ميلكم لاحتكارها فالنفس البشرية تفضل الاحتكار.

ولكن القرآن يقول ((ونهى النفس عن الهوى)) فخذوا العبرة من عزيز ومن أخطائكم وغيروا اسم ايرا والرك وحافظوا اعل انتصاراتكم.

افهم قولكم إن هناك شيئا لا تحبون قوله تحت قبة البرلمان حتى لل تشوشوا على مسار الانفتاح وأوافقكم على هذا الطرح وأعتقد أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني  يجب أن يشرككم في هذا الانفتاح والتشاور حول امور الساحة، وأنتم يجب ان تعينوه على التعاون معكم، لكن هذه الدولة يجب ان تطلعوا على أوضاعها ففيها الدين الكثير والعقود غير السليمة، والدولة أن يتم إصلاحها. والسلام.. والله ولي التوفيق.