أبو عاطف»: تسعيني عاشق للقيادة منذ 70 عاما

اثنين, 31/08/2020 - 01:24

الناصرة – «القدس العربي»: أحمد علي عمار حامد (أبو عاطف) شيخ في الرابعة والتسعين من عمره، أنعم الله عليه بإرادة من حديد وقوة بدنية من فولاذ تجعلاه يتمتع بحيوية شبابي  لافتة وهو في منتصف العقد العاشر فإن صافحته تستشعر ذلك على الفور.
الرجل المولود في مدينة الناصرة عام 1926 وما زال يقيم فيها هو ابن لعائلة قدمت من سلواد في جوار القدس واستقرت في مدينة البشارة وترتبط بعلاقات قربى ونسب مع عائلة فاهوم، كما يؤكد هو وآخرون من العارفين في الأنساب العربية.
تتجلى حيوية الشيخ التسعيني، الذي فقد معظم معارفه وأترابه في تمسكه بقيادة السيارة وفي حوزته رخصة قيادة عمرها نحو سبعة عقود، فقد حاز عليها عام 1952 وحصل أن استوقفته دورية شرطة المرور أكثر من مرة وسرعان ما تم التغاضي عن مخالفاته المرورية بفضل أقدمية كبيرة في القيادة. عمل سائق شاحنة في مصفاة تكرير البترول البريطانية في حيفا المعروفة بـ «الريفاينري» مستذكرا أن نفط العراق ظل يضخ إليها عبر مواسير حتى 1956.
بعدها عمل سائق حافلة في عدة شركات، منها شركة باصات العفيفي، لكنه اضطر للتقاعد مبكرا بسبب أوجاع ظهر لازمته نتيجة ساعات العمل الكثيرة خلف المقود. لكن الأوجاع لم تأخذ من الشيخ عشقه للمراكب وسيارة الفولفو هي «ست السيارات» عنده، وهو اليوم يحتفظ بسيارة فولفو اقتناها عام 1998 وما زالت رفيقته وتبدو هي الأخرى حيوية وأنيقة، رغم كونها في الثانية والعشرين من عمرها وهذا في مصطلحات عالم المراكب عمر متقدم يجعلها في تعداد «الشيخوخة».

شيخ سعودي

ويوضح «أبو عاطف» أنه اقتنى هذه السيارة الزرقاء خلال زيارته لولديه في الولايات المتحدة وهي سويدية – أمريكية الطراز تتمتع بمقود مرن جدا وبطول يتجاوز بقية سيارات الفولفو العادية. «أبو عاطف» الذي يميل للفكاهة وتستهويه روح المزاح يستذكر يومه الأول مع السيارة الرفيقة فيقول إنه ذهب من الناصرة لميناء سدود في جنوب البلاد لاستلامها فكانت ما تزال تحمل لوحة أرقام خاصة بالسيارات الأجنبية فقادها بنفسه وهو كعادته يرتدي الكوفية واللبس العربي التقليدي فظّن المارة والسائقون في الشوارع أنه أحد أثرياء السعودية قد جاء في زيارة خاصة للبلاد، فكانوا يشغلون صافراتهم ويلوّحون له مرسلين شارة التحية. وردا على سؤال يقول «لن أبيعها أبدا مهما عرضت علي من أثمان، فلماذا أتخلى عنها وهي مريحة وناعمة واعتدت على قيادتها.
كنت قد تنازلت عن رفيقة أخرى لتسببها بالأذى لها وهي السيجارة التي طلقتها قبل 37 سنة في أحد أيام شهر رمضان، أما هذه فهي مفيدة لي وتخدمني وسأحتفظ بها ولذا فأنا اهتم بصحتها دوما ولا ينقصها شيء».
وردا على سؤال حول الصحة وطول العمر فيوضح أن «الصحة من الله» فيتناول كل أنواع الطعام والشراب لكن المجدرة مع زيت الزيتون هي أكلته المفّضلة، ومن بعدها يعشق السمنة البلدية وبنفس الوقت هو على علاقات سيئة مع الفول، كما يقول متوددا.
ويضيف «لكن الأهم من كل المحاذير والرياضة البدنية هو البحث عن هداوة البال فالزعل سم قاتل ويخطئ من يتعامل مع الدنيا بجدية زائدة فعلينا النظر لها بابتسامة».
وفي الحياة الاجتماعية يؤمن بمقولة «لسانك حصانك إن صنته صانك» داعيا لضبط اللسان والالتزام بعدم الثرثرة وبالصمت أحيانا.
وشاءت الظروف أن يحظى «أبو عاطف» بسنوات قليلة من الدراسة الابتدائية فتعلم داخل الكتاب التابع للمسجد الأبيض في الناصرة لدى الشيخ فتحي الدريني قبل نكبتها، لكنه حرص على تعليم أبنائه وبكره عاطف يعمل اليوم مهندسا مركزيا في ميكانيكيات الطيران في مطار فرانسيسكو، بعدما حاز على دكتوراه في العلوم الألكترونية.
ويستذكر «أبو عاطف» أن ولده البكر أنهى تعليمه الجامعي في معهد العلوم التطبيقية في حيفا (التخنيون) لكن باب العمل في مجال اختصاصه لم تفتح له بل تعرض لمحاولات ابتزاز ومساومة سلطوية دفعته للبحث عن أفق جديد في الولايات المتحدة.
وعن ذلك يقول «كان ذلك عام 1974. بعدما تخرج عاطف تعرضنا لضغوط ومحاولات استغلال إسرائيلية فقرر عاطف الغربة على الخضوع للابتزاز ولكن لم يكن بحوزتي ما يكفي من نقود لاستئجار سيارة تاكسي تقله للمطار فتوجهت لأحد معارفي، طه أبو ناجي، من الناصرة فكان شهما إذ أصر على تسليمي سيارته الخاصة ومجانا لنقل ابني للمطار.

شجرة الزيتون

كما يشير إلى أن نجله الصغير عوني قد رغب هو الآخر بالسفر، حيث شقيقه الأكبر فلم يكن بحوزتي سوى 100 دولار فأعطيته إيها وهناك صار طبيبا للأسنان والآن يستعد للعودة للعيش بجانبي بعدما بنى بيتا فخما.
ولماذا لم تستقر في الولايات المتحدة طالما أنك زرتها عشر مرات ونالت طبيعتها وعوالمها إعجابك؟
سئل «أبو عاطف» فقال جازما «قهوة الصباح في أفياء شجرة الزيتون هذه في ساحة البيت تساوي أمريكا وما فيها، رغم أنني حائز على جواز سفر أمريكي وبطاقة خضراء.
ويعتبر من المتابعين للشؤون السياسية ويتابع تطورات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بشغف، معتقدا أنه غير قابل للتسوية وسيبقى مفتوحا إلى ما شاء الله بسبب ملابساته.
وما يزال يذكر جيدا كيف بادرت قوات الاستعمار البريطاني إلى زج أهالي الناصرة في ساحة البلدة رجالا ونساء بعد إجبارهم على إخلاء منازلهم عقب اغتيال الثوار الحاكم العسكري فيها اندروز عام 1937. ويتابع «أذكر جيدا عندما عاد الأهالي للبيوت وجدوا أن القوات البريطانية التي فتشت كافة المنازل قد عاثت فيها فسادا وخلطت السكر بالملح والرز والزيت ضمن عقابها الجماعي انتقاما لـ اندروز «.
يشار أن الحديث يدور عن ليويس ييلاند أندريوس الذي اغتاله عناصر جماعة القسام، في الناصرة يوم 26 من أيلول/سبتمبر 1937 حين تبوأ منصب حاكم لواء الجليل، والذي يضم مناطق الناصرة وعكا وطبرية وبيسان.