علينا أن نتوجه بالشكر الجزيل للجنة التحقيق البرلمانية؟

ثلاثاء, 06/10/2020 - 15:56

علينا أن ننمي فينا قيمة الاعتراف بالجميل، ونعبر بكل صدق عن تهانئنا الصادقة للجنة التحقيق البرلمانية على التحقيق التاريخي الذي قامت به.

الاعتراف بالجميل يبقى مكونة أساسية من مكونات كبريات قيمنا الأخلاقية والدينية سواء في علاقاتنا مع الله أو علاقاتنا مع أمثالنا. وهو مع ذلك ليس مسألة "تسقط من السماء" ولا تولد مع المرء، بل تتعلق بالثقافة وتكتسب ضرورة بالتعلم، ولذلك فإنه علينا أن نكون منتبهين لذلك، وأن نقوم بكل ما في وسعنا من أجل تنميتها فينا: في شعبنا وفي نخبته وحكامه.

وفي ما يخصني فإني سأعبر عنها في هذا الظرف التاريخي، أولا للجنة التحقيق البرلمانية، لرئيسها الموقر، وأعضائها الموقرين، وبرلمانها الموقر الذي انحدرت منه هذه اللجنة، وجميع الشعب الموريتاني على النتائج المستخلصة من هذا التحقيق قبل استعراض أسباب ارتياح الموريتانيين صادقي النيات لذلك.

أنا لا أوجه حديثي لهؤلاء المرجفين المنتقدين له الأقل عددا مما يظهرون من حزم، فسيجدون أجوبة لخطاباتهم المرفوضة والغير مؤسسة في تقرير لجنة التحقيقات البرلمانية. لقد كان من الأفضل لهم أن يصمتوا، وحيث إنهم برهنوا خلال العشرية السيئة بالنسبة لبلدنا على أنهم يعشقون المردودية، فربما كان صمتهم الآن أكثر مردودية لهم. لقد كان بإمكانهم أن يستلهموا من المثل الذي يقول: "الصمت أفضل من إنشاد أغنية رديئة". أنا لا أوصيهم بأن يكونوا ممتنين للجنة التحقيق البرلمانية، فقد فقدوا على هذا المستوى فرصة أخرى كانت أفضل لهم، وهي فرصة ألا يكونوا لؤماء اتجاه "هذا البلد" واتجاه هذا الشعب الذي يشترك في الدفع لهم كل سنة عن طريق الضرائب التي يسدد حاضرا وقابلا، والمديونية التي سيسدد مستقبلا، كي تدفع لهم رواتب فلكية، ورواتب مزيدة وعلاوات ومزايا  وامتيازات كثيرة باهظة.

قليل من الامتنان لهذا البلد كان يجب أن يمنعهم من تبديد ثروات هذا الشعب ونهب ممتلكات وخيرات "هذا البلد الفقير" الذي وفر لهم كل وسائل حياة مادية مترفة، كي لا يسرقوا من أحسن إليهم.

وفي المقابل كان بإمكانهم أن يربحوا إذا كان الوقت ما زال يسمح لهم عن طريق قيمتين أخلاقيتين أخريين: احترام مشاعر شعب مغضب تعرض للحرمان والإذلال والتحلي بقيمة الحياء: قليل من الحياء كان سيملي عليهم أن يتقنعوا ويستخدموا أقنعة سميكة لا شفافة، ويظلوا صامتين بقية حياتهم التي دمروها بأيديهم الملطخة. يقول المثل الحساني: "الي بيه أيدو ما توجعو" (ليس لمن تسبب في الضرر لنفسه بيده أن يشتكي)

لاسيما إذا كانت "خفيفة وذكية". لجنة التحقيقات البرلمانية ليست هي المسؤولة البتة عن "خفة اليد" هذه التي اتهمتها منذ فترة طويلة في كتاباتي ورسائلي الصوتية، والتي يبدو أنه ظهر مصداقها قبل أيام على لسان وزير أول سابق أمام الشرطة القضائية.

 

النواب الموريتانيون الموقرون

أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية الموقرة

 

كما تعلمون لا أحد منا هو سيد مصيره. لقد دخلتم بصورة قوية ونهائية تاريخ هذا البلد. لا تملكون إلا ذلك. أنا متأكد من أنكم ستتحملون هذه المسؤولية وتتقبلونها بمزاياهاوإكراهاتها والتزاماتها. أنتم لم تعملوا فقط على جعل البلد يتقدم خطوة كبيرة وسط إعجاب الكثيرين، بل وفاجأتم الجميع أيضا واستمر ذلك حتى اللحظة الأخيرة، وفي سياق معقد وغير مسبوق: (سياق كوفيد 19، احتيال على جميع المستويات من هؤلاء الحلفاء السياسيين الذين أسميهم كوفيد 18 للعشرية المكررة).

لقد نجحتم كذلك في إنقاذ البلد من الفوضى، وفي إنقاذ حكومة ولدت في أسفل بئر سيئة دون أن يتمكن شعبها الجائع والمعطش من تخمين حالة الانهيار الذي وجدت فيه هذه الحكومة دولتها. هذه الحكومة الطموحة للإقلاع حتى قبل أن تجد "الأرجل أو العجلات" الضرورية لذلك على أرض صلبة.

 

بعض عناصر تقييم وتحليل أثر مهمة لجنة التحقيق البرلمانية

 

تحليل الأثر الإيجابي لأعمال لجنة التحقيق البرلمانية:

 

1- لجنة التحقيق البرلمانية فاجأت وأذهلت الجميع بمستوى جودة أعمالها وانسجامها واحترامها للآجال وكذلك بمستوى حصاد أعمالها.

 

2- لجنة التحقيق البرلمانية شاركت في تعزيز إجماع ووحدة الموريتانيين ضد الفساد والمفسدين.

 

3- لجنة التحقيق البرلمانية ساعدت بطريقة غير مباشرة الرئيس غزواني  والحكومة اللذين لم يكونا يرغبان في تحميل سلفهما المسؤولية أو اتهامه رغم أنهم لم يرثوا منه الوسائل الكفيلة بخلق الظروف الضرورية لتمكينهم من تحقيق التنمية.

 

4- لجنة التحقيق البرلمانية خلصت سياسيا ومعنويا "قدم" البلد من "شوكة عزيز"، وأبطلت مفعول جزء من حقل الألغام الذي خلف وراءه لزعزعة الوضع خلال السنوات الأولى من فترة الرئيس غزواني كي يتسنى له أن يعود من النافذة ويظهر على أنه الحل الوحيد.

 

5- العدالة والسلطة التنفيذية سيتمكنان من نزع مخالب "المزعزع القوي"  المتمثلة في الوسائل المالية واللوجستية المسروقة، الضرورية لتمويل نشاطات تخريبية، والتي هي أكبر من وسائل الدولة.

 

6- لجنة التحقيق البرلمانية أعادت الاعتبار للبرلمان على وجه العموم، وأعضائه على وجه الخصوص.

 

7- لجنة التحقيق البرلمانية دشنت عصرا من الأمل لدى الموريتانيين، ولدى شركاء التنمية، وذلك برؤية الحكامة الرشيدة -أخيرا- تسود، ورؤية معاقبة الجريمة تتعزز.

 

8- ستتم استعادة ممتلكات عمومية واسترجاع أموال مختلسة، و"إعادة تبييض" -المصطلح من استخدامي- لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

9- عمل اللجنة الذي تواصل إلى النهاية أزال الغموض عن الأحكام المسبقة حول قوة اللوبيات الطائفية والفردية المفترسة.

 

10- عززت مؤسسات الجمهورية وفصل السلطات.

 

11- البرلمان الذي كان محكوما عليه في السابق بحالة العمى استعاد رؤيته، مما مكنه من القيام بهذه المهمة، ومن أن يكون أكثر متابعة للأحداث في المستقبل، ويمارس حقه ويقوم بواجبه الدستوري، ويراقب حقيقة نشاط السلطة التنفيذية والتوجهات الفعلية للمالية والممتلكات العمومية.

لحسن الحظ ها هو عائق وها هو  معوق لا يمكننا إلا أن نرتاح لهذا.

 

11 مكرر- اكتشف المواطن هذا الدور الطبيعي لممثليه الذي كان يجهله، وهكذا تم إثراء الثقافة الديمقراطية الموريتانية.

 

12- إنجاز هذه المهمة دون أن يكون هناك تشويش أو فيتو رئاسي 

قضى على مفهوم "الصداقة الشخصية".. كحجة لها قيمة "إيديولوجية سياسية جديدة" بدلا من الأولوية للمصلحة العامة. كما سمحت انطلاقا من ذلك بإظهار أن الرئيس غزواني  يتمتع فعلا باستقلاليته عن ذلك الذي لا يمثل مصدر إلهام فلسفي أو سياسي ولا مصدر شعبية له. وهي تصورات كانت تحط من قيمة ومصداقية المؤسسة الأولى في الجمهورية.

هذه الأطروحة التشويهية المتشككة ذات "الجلد الغليظ"، والتي كثيرا ما تتداول عند الحديث عن رئيس الجمهورية، كانت في وقت من الأوقات أول المصائب: وراثة انعدام شعبية عزيز وفضائحه، وإنجازاته الفارغة، ومديونيته المفرطة.

وبالموازاة مع قرارات العدالة التي تمثل  في الواقع اختبارا كبيرا، وأيضا فرصة لنظامنا القضائي لإعادة الاعتبار إليه، على غرار المثال المشرف للجنة التحقيق البرلمانية الموقرة، فإن جوانب أخرى غير عدلية تستحق أن تكون موضع تأملاتنا من أجل استخلاص النتائج التي تنبئ بها..

فلنتأمل فيها.

 

يتواصل

 

الدكتور محمد ولد محمد الحسن

المعهد الدولي للدراسات والبحوث الاستيراتيجية.

 

faardgs@gmail.com 

 

4 اكتوبر 2020