عميد الدبلوماسيين ببغداد يودّع بحفاوة السفير الموريتاني سيداتي ولداحمدعيشه

أحد, 20/06/2021 - 23:01

كتب المفكر والناقد السياسي الدكتور العميد /فاضل البدراني

 

البلدان الفاعلة في المشهد الانساني هي  تلك التي تتميز شعوبها بالحيوية وغنى في التراث والشواخص الحضارية، والثقافة والأدب والفلسفة، فتوصف على انها شعوب حية عريقة انطلاقا مما تملكه من عطاء فكري وإنساني ثري،وبعد تاريخي، لتشكل نسيجا من الوعي، تنبعث منه رسالة السلام . بعدها جوهر عمل الدبلوماسية المهذبة التي تحتاجها الأمم حاليا في عصر التشظي والخلافات والصراعات الدولية. 

القادم من بلاد شنقيط- كما كانت تسمى في المشرق - موريتانيا حاليا- بلد الثقافة والعلم والأدب العربي هو السيد سيداتي ولد الشيخ ولد أحمد عيشه ( أبو هاشم) من سكان مدينة بتلميت  التي تقع على بعد 150 كلم شرق العاصمة نواكشوط..فهي معقل الساسة بموريتانيا، ومنها أول رئيس للبلاد  السيد المختار ولد داداه .. نشأ السفير ولد الشيخ في محيط اجتماعي عربي قوامه  القلم والكتاب من جهة والسيف والفروسية من جهة أخرى.. فهو من   “زبدة المغافرة ” من قبائل بني حسان العربية القادمين من اليمن والذين عربوا موريتانيا، منذ القرن الرابع عشر الميلادي. تنسب إليهم  اللهجة  الحسانية - وهي أقرب اللهجات في الوطن العربي للغة العربية.. يتكلمها سكان الصحراء الكبرى  في جنوب الجزائر وجنوب المغرب، وشمال دولة مالي وشمال النيجر .

وصل أبو هاشم بغداد سفيرا لجمهورية موريتانيا الإسلامية في الربع الأول من سنة 2013 بعد أن تم تعيينه في الربع الأخير من 2012..يوصف في بغداد بأنه دبلوماسيا رفيعا، عميق الثقافة، فيلسوف في الطرح، صريح في إبداء الرأي، شجاع في مواقفه حريص على مسؤوليته، مخلص لوطنه، ملهم  بعروبته. يهوى الشعر، يجيد اللغات الفرنسية والإسبانية والإنكليزية بالإضافة إلى لغة الأم اللغة العربية ..قدم أوراق اعتماده بوصفه سفيرا فوق العادة وكامل السلطة لبلاده، لدى جمهورية العراق بداية 2013..كتب على موقع سفارة موريتانيا في بغداد ” أن هذه العودة الميمونة للعلاقات الدبلوماسية لبلاده مع العراق، جاءت رغبة من قيادة البلدين الشقيقين، بإعادة ربط جسور نسجت أواصرها العصور بين بوابتي الوطن العربي، موريتانيا غربا وجمهورية العراق شرقا”. فمنذ  يوم تكليفه بالمسؤولية بدأ السفير سيداتي،  يجول أرجاء العراق ويوطد علاقاته مع مختلف الناس والمسؤولين في أروع تجربة دبلوماسية، بحثا عن السلام في مدينة السلام ” بغداد”  .يعرف في العراق  بالدبلوماسي المثقف...يعكس عمق البعد الحضاري والثقافي لبلاده موريتانيا.  من خلال منصة إعلامية رائعة وناجحة أنشأها باسم سفارته، عرفت حتى الآن قبول 700 ألف زائر تقريبا، صار العراقيون يقرأون في أعماق التاريخ عن بلد المليون شاعر، ويقرأون عن تلك الجذور الأدبية العربية المشعة من وحي الصحراء، والغابات وسلاسل الجبال والسدود، وخيمة الثقافة..فوجد  المستثمرون العراقيون ضالتهم  كذلك فيها..تسع سنوات من العمل الدبلوماسي مارسه السفير أبا هاشم...تجذرت فيها علاقاته الاجتماعية بمختلف أطياف المجتمع العراقي. لم تقتصر علاقات الرجل على الجانب الدبلوماسي والسياسي فحسب،  بل أمتدت لعلاقات صداقة اجتماعية وفكرية مع المواطنين والمثقفين والاكاديميين ونخب العراق البارزة سياسيا وعلميا ، وتميز من بين الدبلوماسيين بانه الأكثر اتقانا للغة العربية.. حصل السفير الموريتاني على  ( درع مجلس النواب  ) باسم الشعب العراقي  .. فهي أول  مرة يكرم به سفير، فضلا عن تكريمات أخرى رفيعة منها وأهمها  "وسام الوطن من الدرجة الأولى"  الوارد في قانون الأوسمة والأنواط حيز التنفيذ والذي لا يستحقه من غير العراقيين إلا رؤساء الدول والحكومات الأجنبية ...درع باسم الشعب العراقي ووسام وطنه وتكريمات عدة أخرى متفرقة كللت الأداء المتميز لسعادة سفير موريتانيا في بغداد  في توطيد العلاقة بين بلاده والعراق، ونجاحه بتجسيد رسالة شعبه في حبه للعراق الذي عمل فيه في ظروف غاية في الصعوبة...يعد السفير أبوهاشم الوحيد من السفراء الذي لم يغادر بغداد، في ظروف كان تنظيم داعش على مشارف المدينة بعد سقوط مدن عدة  بيده في 2014 ..وعلى الرغم من تعرضه لاعتداء مسلح استهدف موكبه في 2016 ببغداد، وهجوم آخر ضد منزله في 2017 ...فأطلق عليه العراقيون والموريتانيون ب”السفير الشجاع “. السفير سيداتي ولد الشيخ ولد أحمد عيشه، ودع العراقيين من مسؤولين وشخصيات سياسية واكاديمية وثقافية، وفكرية واجتماعية، وبعثات دبلوماسية عاملة ببغداد، تاركا خلفه سنوات من مسيرة دبلوماسية مشرقة ملؤها العطاء والمواقف النبيلة .ستبقى ذكرياته الجميلة محفورة في ذاكرة كل العراقيين..