
جاء في إيجاز توصلت صحيفة "ميادين" بنسخة منه: "في وطن لا تزال فيه الكرامة هي رأس مال البسطاء، وفي جمهورية قيمها المعلنة تعلي من شأن الإنصاف والعدل ورد الجميل… يتكشف لنا اليوم جرح نازف، يئن في صمت منذ سنين. جرح اسمه: “العمال غير الدائمين في الشركة الموريتانية للكهرباء – صوملك”، الذين قضى بعضهم أكثر من عقد من الزمن في خدمة هذه المؤسسة الوطنية، ينجزون المهام الأصعب، في الظروف الأقسى، وفي المناطق الأكثر بعدا وخطورة.
أكثر من مائة عامل، حرموا من أبسط الحقوق التي تقرها قوانين العمل وأبجديات الإنسانية: حق التثبيت، وحق التسوية، وحق المشاركة في الاكتتاب.
لكن المصيبة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تضاعفت مرارتها حين أدارت إدارتهم – إدارة DCR – ظهرها لهم، وتخلت عنهم في لحظة كان يفترض أن تكون لحظة وفاء، لا لحظة تخل.
كيف بدأت القصة؟
بدأت الحكاية منذ سنوات طويلة… رجال وصفوا بـ”غير الدائمين”، لكنهم كانوا أكثر دواما من الأبراج والمكاتب. كانوا هم النبض الميداني الحقيقي للشركة، العمود الفقري الذي لا يرى في نشرات الأخبار ولا في بيانات الإدارة، ولكن يعتمد عليه في الأزمات والحرائق والانقطاعات، وتسند إليه المهام الشاقة والمناوبات الليلية، بأقل الرواتب، ودون أي ضمان وظيفي.
وفي العام 2020، أعلن عن مسار لتسوية وضعية هؤلاء العمال، وتمت عمليات إحصاء وتقويم دقيقة، استبشر بها الجميع خيرا. وفي البداية، تمت تسوية وضعية 130 عاملا، فتفتحت نوافذ الأمل، وظن الباقون أن اللحظة قد اقتربت.
لكنهم فوجئوا بعد ذلك بتوقف العملية فجأة، ودون سابق إنذار، ثم أعلنت الشركة دمج 868 فقط من أصل 1534 عاملا، دون أي توضيح، وكأن الباقين ليسوا بشرا، وليسوا ممن سهروا وعرضوا حياتهم للخطر في سبيل خدمة هذا الوطن.
المأساة الأشد مرارة: الصمت!
ربما كان أقسى ما في هذه المأساة، هو أن تواجه بالتجاهل من أول من يفترض به أن يكون حليفك… إدارتك.
إدارة DCR، لم تحرك ساكنا، لم تراسل جهة، لم تعترض، لم تستفسر، لم تدافع، وكأن هؤلاء العمال لا يتبعون لها، وكأنها لم تعرفهم يوما، أو لم تتعامل معهم في الميدان وجها لوجه.
هذا الصمت، في عرف المظلومين، لا يقل عن الخيانة الإدارية. وهو ما دفع هؤلاء العمال اليوم إلى أن يقولوا كلمتهم الأخيرة، علها تجد أذانا واعية وقلوبا عادلة:
“نرفع مظلمتنا إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، السيد محمد الشيخ الغزواني، وإلى معالي الوزير الأول، بعد أن أُغلقت في وجوهنا كل الأبواب، وخابت فينا كل الآمال الإدارية.”
مطالبهم واضحة، عادلة، ومشروعة:
1. إعادة النظر في قرار إقصائهم غير المبرر، وتصحيح الاختلال الحاصل في اللوائح.
2. السماح لهم بالمشاركة في الاكتتاب الذي أُقصوا منه تعسفا، رغم أحقيتهم.
3. كشف الحقائق للرأي العام: من أقصاهم؟ ولماذا؟ وما المعايير التي اعتمدت في دمج 868 وتهميش البقية؟
بل إنهم يمتلكون وثائق وإثباتات رسمية تؤكد التلاعب في اللوائح، واستعدادهم لتقديمها للجهات المعنية متى ما طلبت.
من يعيد الكرامة؟
هؤلاء ليسوا طلاب صدقات، ولا طلاب وساطات. هؤلاء رجال عمل، وشباب خبرة، وبعضهم أرباب أسر، لم يطالبوا إلا بما هو حقهم المشروع، المكفول قانونا وأخلاقيا ووطنيا. وكل ما يأملونه اليوم، هو أن تنصفهم الدولة التي خدموها في صمت، والتي لم يخذلوها في يوم، رغم شدة الحاجة، وقسوة الظروف.
هل من العدل أن يكافأوا بالإقصاء؟
هل يعقل أن تكافئ شركة الكهرباء إخلاصهم بقطع التيار عن مستقبلهم؟
هل يعقل أن نغض الطرف عن كل تلك السنين من العرق والتعب، وكأنها لم تكن؟
إن التاريخ لا يرحم…
وإذا نسي المسؤولون هؤلاء العمال، فلن ينساهم التاريخ، ولن تنساهم الضمائر الحية في هذا البلد. وسيكتب يوما أن أكثر من مائة عامل تم تجاهلهم، لأنهم لم يجيدوا لغة الوساطة، ولم تكن لهم “معارف في الأعلى”.
لكن الأمل لا يزال قائما، في أن تفتح الأبواب، وتراجع اللوائح، ويعطى كل ذي حق حقه، قبل أن تصبح هذه المأساة وصمة في جبين مؤسسة كان يجب أن تكون بيتا للإنصاف لا للتمييز.