لقد دخلت موريتانيا مرحلة جديدة من أزمتها هي مرحلة الانفجار بعد أن طفح كيل الظلم و القهر و التجويع و الاحتقار من جهة و التبجح و البطر و التبذير و اللا مبالاة من أخرى..
لا أحد يستطيع اليوم تجاهل أو نكران ما تعيشه الناس من مآسي، أفرادا و جماعات و مناطق و جهات، تجارا و موظفين و مزارعين و منمين، ناهيك عن المحاصرين و العاطلين عن العمل و المهمشين و المنسيين و الأشقياء بموريتانيتهم..
على المعارضة و أعني بها كل الطيف المعارض في الأحزاب و خارجها أن تفهم أنها حتى اليوم، مازالت جزء من المشكلة لا من الحل ، في موريتانيا : لقد أصبح دور المعارضة اليوم ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ هو امتصاص غضب الشارع من خلال مسيراتها العبثية المثبطة للعزائم .
و لدي هنا أسئلة ملحة ، أعي أن المعارضة لن ترد عليها علنا، لكن يهمني جدا أن ترد عليها في نفوسها:
(1) ـ أن يأخذ ولد عبد العزيز نصف عصابته و مخابراته و يسميهم معارضة و يعمل استفتاء عاما باسم “الأغلبية” و “المعارضة” و المجتمع المدني و المستقلين و شهداء المقاومة و اتحاد الأدباء و القنوات الفضائية، هذا أمر عادي كجزء من بروباغاندا ولد عبد العزيز و أكاذيبه و تزويره لكل الحقائق. لكن، أن تقول المعارضة لجمهورها “نحترم موقف بيجل و مسعود و ولد أمين كمعارضين و إن كنا نختلف معهم في الطرح” فهذا لا يمكن لم أستطع فهمه :
ـ فمن هو المعارض في قاموس المعارضة ؟
ـ ما هي صفاته في المفاهيم أو المدارس السياسية التي تتبنونها؟
ـ هل يمكن أن يكون التعريف الوحيد للمعارض هو ادعاء حمل هذا الاسم؟
ـ هل يمكن أن تستقبل “رئيس نظام” أينما حل و تدعم لوائحه الانتخابية و تزكي سياساته التخريبية بصفتك معارضا له؟
(2) ـ منذ احتلال ولد عبد العزيز للقصر و هو يصف المعارضة بالخائنة و المجرمة و العاجزة و الحاقدة و المخربة للبلاد .. أنهى ولد عبد العزيز نظامين موريتانيين بانقلابين .. زور ولد عبد العزيز مأموريتين .. رفض ولد عبد العزيز وضع أي آلية للحد من التزوير و كان ممثلو من شاركوا معه و بشهادتهم، حين يطلبون محضرا لأحد المكاتب يرد عليهم بالرفض الصريح “لن نسلمكم أي محضر” .. و نجح رئيس حزبه نائبا في شوط ثالث.. و أمضينا ثلاث أشهر بعد الانتخابات كل يوم يطل علينا نائب ملحق جديد ، لا أحد يفهم كيف التحق بلائحة زعماء شبيكو في البرلمان؟
و حتى اليوم ما زالت المعارضة تطلق على ولد عبد العزيز “رئيس الدولة” : من حقكم أن تتقبلوا الإهانة إلى هذا الحد لكنه ليس من حقكم أن تلصقوا هذه الإهانة بالبلد .. قولوا إنه رئيسكم .. إنه رئيس موالاة الأحكام، الجاهزة للتحول إلى أي آخر .. لكن ارحموا موريتانيا : ليس من العار أن تحكمنا عصابة و تذلنا و تنهب خيرات بلدنا و تهين مقدساتنا ؛ إن العار كل العار هو أن تجبرنا على الاعتراف بشرعيتها و عدالة ظلمها.
ولد عبد العزيز لم يعتبر المعارضة يوما خصما بل عدوا و حين مارس مجلس الشيوخ حقه في التصويت، وصفهم هو وعصابته بالأعداء و الخونة في حملة مسعورة في وسائل الإعلام الرسمية و الأهلية و الاستخباراتية ، فماذا يلزمكم بمنحه لقب “رئيس الدولة” بدل نعته بعدوها و مخربها و المتاجر بكل شيء فيها؟
(3) ـ من أكثر ما يغضب في خطاب المعارضة دخولها في تفاصيل ما يحق لمجلس الشيوخ و البرلمان و المادة 38 و صلاحيات المجلس الدستوري و شرعية الاستفتاء : ما هي مشكلة المعارضة ؟
الدستور ميثاق وطني ، لا يحق لولد عبد العزيز و عصابته تغييب الشعب الموريتاني و العبث به و حين يمسه بيده الوسخة ، يكون أجرم في حق الدستور و حق الشعب و يجب مواجهته بكل ما يمتلكه الشعب من رفض و قوة و بكل الوسائل المتاحة و الممكنة . و حين تتحدثون عن التفاصيل بهذه الطريقة المهينة، يعني أن ما يقوم به ولد عبد العزيز من حقه لكنكم تختلفون معه في الطريقة. فهل هذا هو موقفكم من القضية؟ و هل يمكن أن يكون لكلامكم معنى آخر؟ أتساءل أحيانا أين ثقافة و دهاء و فطنة هؤلاء التي يتكلم عنها الجميع؟
(4) ـ لا تريد المعارضة الموريتانية القيام بثورة ضد عصابة تحتل بلدها.. لا تريد المعارضة الموريتانية تمردا أو عصيانا مدنيا من أي نوع.. لا تريد المعارضة الموريتانية المشاركة مع العصابة في أي انتخابات و لا أي حوار.. لا تريد المعارضة الموريتانية قيام أي انقلاب عسكري..
فماذا تريدون بالضبط و كيف تريدونه و متى ستظهر ـ و لوـ ملامح رؤيتكم لتكون الناس معكم على أرضية واحدة ؟
(5) ـ قضية أخرى لا أفهمها في أدبيات المعارضة و هي عبارة “النضال السلمي” هل من سلمية النضال أن ترخص تجمعا أو مسيرة أو اعتصاما أو وقفة و تمارس فيها حقك الطبيعي بالتزام لتمطرك أجهزة العصابة بوابل من مسيلات الدموع و تنهال على رأسك ضربات هراواتهم الغائرة؟
القواعد الأمنية في العالم تتفق كلها على أن العنف يولد العنف فأين نصيب الشعب الموريتاني من الكرامة الإنسانية؟
(6) ـ الدستور الموريتاني الذي تطالب المعارضة بعدم المساس به و احترام قدسيته أو حرمته على الأقل و تذكر بإجماع الموريتانيين عليه ، ينص بوضوح أن على الجيش التدخل عندما تهدد الوحدة الوطنية. و لا يمكن لموريتانيا أن تتعرض لتهديد وحدتها أكثر و لا أخطر مما تعيشه اليوم ..
و ما قاله ولد عبد العزيز كان صحيحا و ثابتا (من دون تفسيره له طبعا) الجيش لم يحكم قط و إنما كان و ما زال يحكم به من قبل عصابة منه و أعوانها من المدنيين و ربما يكون كلام ولد عبد العزيز هو ما أغضب ولد ابريد الليل ، ليرد عليه بتك الطريقة المؤلمة بشحنة حقيقتها المرة. و الأخطر في رفض المعارضة لأي انقلاب من الجيش هو إيهامها للناس ـ على الأقل ـ بأنها لا تريد إسقاط نظام منتخب عن طريق انقلاب عسكري : ولد عبد العزيز قائد عصابة مسلحة من الأعجام و أخرى من ذويه بقيادة ولد احريطاني ، يحتل بها بلدا و يدمره بها و يحول جيشه إلى مليشيات عن طريقها و أهم ما تحتاجه موريتانيا اليوم هو انقلاب عسكري من ضباط أحرار يغارون على الوطن، يردون للجيش احترامه و هيبته و عقيدته العسكرية و يسلمون الحكم إلى المدنيين بطريقة تسمح لأخيار البلد أن يحكموه لا أشراره، مع حفظ مكانتهم و تقدير تضحياتهم و عودتهم إلى ثكناتهم بفخر و اعتزاز : أمثال هؤلاء الضباط يوجدون في الجيش بكثرة و أؤكد لكم أنهم لا ينتظرون غير أن ينتفض الشارع و تحاول العصابة قمعه بما يبرر تدخلهم ..
إن ترقية ولد عبد العزيز لعشرات الضباط إلى رتبة جنرال (التي أصبحت مهانة هي الأخرى مثل الجيش برميها على أكتاف من لا يستحقون رتبة عريف) و توسله في ما تسمونه “مؤتمره الصحفي” للجيش و ثناؤه عليه الذي تفضحه الممارسات المشينة التي أدخلها على تقاليد المؤسسة : الترقية بالمزاج و قلب هرم الأوامر و تهميش خيرة الضباط الملتزمين و تحكيم من لهم الاستعداد للتزلف و النفاق على حساب وطنيتهم و التزامهم العسكري و تكريمهم و تبجيلهم : (يخطئ من يعتقد أن المؤسسة العسكرية ليست مستاءة و مذلة و مهانة أكثر من المدنيين في موريتانيا) ، كل هذه الحقائق هي ما جعلت ولد عبد العزيز يثني على الجيش بتلك الطريقة الاستجدائية الجبانة، معتقدا أن كرامة الرجال يمكن أن يطمسها حقير بكلمة كاذبة.
كل العقلاء بدؤوا يلاحظون انهيار النظام من داخله و يبحثون عن خروج “مشرف” من ورطة نظام منهار، يدركون أن الشعب لن يغفر لأذياله ما ارتكبوه من إجرام في حقه، لا سيما بعد ما أظهرت الناس من استعداد لتجاوز أخطاء الماضي ، بعد وقفة مجلس الشيوخ العنيدة في وجه أجندة ولد عبد العزيز الشيطانية
و في الأخير و غير بعيد من هذا كله ، سأذكركم هنا بما يؤكد كل هذا الكلام :
تعود الأستاذ ولد ابريد الليل على ممارسة سياسة “جمل الدني البرك لك أركب اعليه” و ها هو الآن يحاول ركوب جمل “الدني” مع ارتسام ملامح المرحلة الجديدة لإنقاذ نفسه من السقوط مع ولد عبد العزيز في الحفرة التي حفرها لبلدنا الطيب (نرجو الله أن يرد كيدهم جميعا في نحورهم و هو على ذلك قدير)..
فبعدما ظل طيلة حكم ولد عبد العزيز يطبق قاعدة الانتهازية الأقدم في البلد “دبوسك و جمل الناس” ، ها هو ينتهز الفرصة من جديد مبكرا ، للتموقع في الوجدان العام قبل أن يدركه الموت على كفره بالواجب الوطني..
لا ينقص ولد ابريد الليل العقل و لا الفطنة و لا شك في أنه كاتب مبدع و عقل اجتماعي خطير لكنه ينسى أنه أطلق العنان لـدبوسه في جمل الوطن “الصبور” و يتناسى أن “الجمل المنتقم لا يخطئ عدوه ولا يستعيض عنه بغيره”
هكذا دأب المثقف الموريتاني الذي يساهم الجميع بالتغاضي عن ماضيه السيئ حد الإجرامي ، في التحاقه بأي ركب “من الأشراف” شاء، متى شاء . و إذا لم تكن المرحلة الموريتانية الجديدة حاسمة و صارمة في تذكير “المثقفين” و “العلماء” و “الأعيان” و “أبناء الشيوخ” و “اتحاد الأدباء” و “رابطة الدفاع عن الشهداء” و “مبادرة الدده سالم لدعم رئيس الجمهورية” ، بماضيهم السيئ و انتهازيتهم المهينة للثقافة و العلم و الأدب و الشهداء ، فلا كانت و لا صارت..
هؤلاء هم من يحفرون خندق الدوامة التي تدور فيها موريتانيا منذ الاستقلال حتى اليوم و لن تخرج منها إلا بخروجهم جميعا صغارا من النافذة الخلفية لترجمهم المارة في الشارع.
و كما قالت المناضلة الغواتيمالية الكبيرة ريغو بيرتا منشكو، “يمكننا أن نغفر الكثير لكنه علينا أن لا ننسى أي شيء”