لقد أخبرني وزير الداخلية أحمد ولد محمد صالح بهذا الأمر المؤسف ذات فجر، في نزل للوالدة شمالي نواكشوط، كان أحمد مصحوبا بشرطي من أقاربه يعمل مرافقا أمنيا له، كنت ليلتها مع الوالدة، فزارنا أحمد عند الساعة الثالثة فجرا، وطلب من والدتي إيقاظي. أيقظتني الوالدة، وأخبرتني أن أحمد ولد محمد صالح يريدني، عرفت أن الأمر جلل، سلمت عليه فقال لي : طلب مني الرئيس المختار ولد داداه أن أذهب إليك حالا فقد كنت وإياه في اجتماع مع وزير التجارة سيدي ولد الشيخ عبد الله، ووزير النقل عبد الله ولد أباه لنقاش وضعية تيشيت التي لم يعد فيها أي طعام باستثناء بعض علب "بسكويت سرقلة " وعلب الساردين التي ترميها لهم طائرات عسكرية، وذلك بسبب حصار البوليساريو.
قلت له : أنا في الخدمة، سأوقظ أحد عمال المنزل لكي يعد الشاي، فقال لي : دعهم نائمين وطلب من مرافقه أن يعد الشاي، فهمت أن أحمد لم يكن يريد أن يطلع أحد على زيارته ولذلك اختار وقتا متأخرا، كما لا يريد أن يعلم أحد بمضمون الزيارة، وقد كان رجلا حصيفا بل رجل أمن من الطراز العالي جدا. وقد طلبت من وزير الداخلية أن يحدد لي المطلوب مني بشكل كامل ومحدد قال لي : يوم الأحد ستكون على اتصال على مدير الميناء مالوكيف ولد الحسن سيفتح لك مخازن الميناء وتوفر أنت شحن المواد الغذائية ونقلها إلى تيشيت.
ثانيا أن تعطي شاحنة لمحمد الأمين ولد الشريف المختار، فقد اعتدى عناصر البوليساريو على شاحنته التي كانت تمون مدينة تيشيت وضواحيها بالمواد الغذائية والقماش والحاجيات المختلفة. في صباح الأحد، وكان يوم عطلة توجهت بالشاحنات إلى الميناء، حيث وجدت في استقبالي مديره مالوكيف ولد الحسن، وبدأ العمال شحن المواد الغذائية والزيت والقماش وغيره من حاجيات المدينة المحاصرة، وكان المجموع 300 طن من مختلف المواد موزعة على 27 سيارة وفي المساء أنهى العمال الشحن، وبدأنا الانطلاقة كنا نحمل أوراقا رسمية على أننا متجهون إلى مدينة النعمة في أقصى الشرق الموريتاني، وقد أكد الرئيس المختار رحمه الله على ضرورة التكتم الشديد على مسار الرحلة، وظل الأمر محصورا على المستوى الحكومي في دائرة ضيقة هي : الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله وزير الداخلية أحمد ولد محمد صالح وزير الدفاع محمذن ولد باباه وزير الدولة للتجارة سيدي ولد الشيخ عبد الله قائد الأركان حمود ولد الناجي رحمه الله قائد كتيبة الجيش في تجگجة المرحوم أحمد ولد منيه مدير الميناء مالوكيف ولد الحسن هذا بالإضافة إلى رجل الأعمال المرحوم محمد الأمين ولد الشريف المختار وقد طلب منه وزير الداخلية التكتم الكامل على القصة.
أما السائقون فلم يكونوا يعرفون وجهتهم الحقيقية بعد أن أخبرتهم أننا متجهون إلى النعمة انطلقنا في ساعة متأخرة من مساء يوم الأحد، وبتنا ليلتها في صنگرافة التي وصلناها فجرا، فجرا ذبحنا ستة كباش، في مأدبة أقمناها لصالح السائقين ضمن تهيئتهم نفسيا للمغامرة التي سينخرطون فيها وفي منطقة تسمى لعگيلة تقع بين لتفتار والمجرية، أبلغت السائقين بوجهتهم ومهمتهم، فلم يعترضوا وبدأ الميكانيكيون في انتزاع أضواء السيارات ومكابحها.
وبعد طلوع الشمس وصلنا إلى المجربة بعد أن كانت سياراتنا أول سيارات تجتاز مرتفع آشتف الخطير، وفي الساعة الخامسة إلا ربعا وصلنا تجگجة، وفي إحدى محطات الرحلة تطلب الأمر عدة ساعات لشق ممر جبلي في تجگجة استقبلنا المرحوم أحمد ولد منيه، وتم حجز السيارات داخل ثكنة الجيش، ومنها انطلقت صباحا إلى تيشيت لتصلها الثالثة صباحا وذلك تحت حماية من طائرة عسكرية كانت تحلق فوق مسار السيارات تلقى أهل تيشيت القافلة بفرح شديد، أما أنا فقد غادرت من تجكجة في اليوم الموالي عائدا إلى نواكشوط.
من مذكرات بمب ولد سيدي بادي.
موريتانيا اليوم