حتى قبل إقامة إسرائيل من قبل بريطانيا والرجعيّة العربيّة على أنقاض الشعب العربيّ الفلسطينيّ، كان أقطاب الحركة الصهيونيّة يُفكّرون في كيفية وآلية التخلّص من العرب، الإنجليز، أقاموا المملكة الأردنيّة الهاشميّة لتخفيف الضغط الديمغرافيّ العربيّ عن الدولة الصهيونيّة، ولكنّ هذا الحلّ الـ”خلّاق” لم يكفِ الصهاينة، الذين طمحوا لإقامة دولةٍ نقيّةٍ من العرب، دولة يهوديّة، بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ.
ومع مرور الأيّام بدأت إسرائيل تقترح الخيار الأردنيّ: أيْ إبعاد الفلسطينيين، الذين بقوا في أرضهم بعد النكبة إلى المملكة الهاشميّة وإقامة الدولة الفلسطينيّة هناك، وبهذا التخلّص من العرب نهائيًا، ولكن الخطّة الجهنميّة جوبهت بعقبات جعلت من إخراجها إلى حيّز التنفيذ مهمّة مُستحيلةً.
قُبيل الغزو الأمريكيّ-البريطانيّ الهمجيّ والبربريّ لبلاد الرافدين، روي ليّ شخصيًا الإعلامي الفلسطينيّ عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة “رأي اليوم”، التقى بالعاهل الأردني، الملك عبد الله في قصره بعمّان. الملك عبد الله كشف النقاب للأستاذ عطوان أنّه بعد اتخاذ واشنطن القرار بغزو العراق وتفتيت وتمزيق هذه الدولة العربيّة، وصل الملك إلى العاصمة الأمريكيّة واجتمع هناك إلى الرئيس الأمريكيّ آنذاك، جورج بوش الابن، وطلب منه عدم السماح لرئيس الوزراء الإسرائيليّ في تلك الفترة، أرئيل شارون، باستغلال عملية الغزو للقيام بطرد الفلسطينيين من الضفّة الغربيّة إلى الأردن، بحسب وراية الملك الذي أكّد موافقة بوش على منع شارون من إخراج مخططه إلى حيّز التنفيذ.
وبمناسبة مرور خمسين عامًا على عدوان يونيو 1967 رفعت مؤسسة “أرشيف الدولة العبريّة” الستار عن ملفات حرب عام 1967، وسمحت بكشف مداولات الحكومة وقيادة الجيش قبل الحرب وبعدها التي انتهت باحتلال إسرائيلي سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، فضاعفت مساحتها ثلاث مرات.
وتضمنت الملفات 150 ألف صورة عن بروتوكولات جلسات الحكومة وهيئة أركان الجيش ومئات الصور والأفلام والتسجيلات الصوتية. وتؤكد الملفات التي كشف عنها، كما أفاد الإعلامي الفلسطينيّ أسعد تلحمي، في صحيفة “الحياة” الصادرة في لندن، ما أشيع منذ تلك الحرب، أنّ القيادة الإسرائيلية السياسية كانت مسكونةً برعبٍ حقيقيٍّ، وأنّها أخذت في حساباتها احتمال القضاء على إسرائيل في حال شنت الدول العربية بقيادة مصر الحرب على الدولة العبرية.
وبيّنت الوثائق، أضاف تقرير الزميل تلحمي، الخوف الذي أبداه رئيس الوزراء ليفي أشكول من أنْ تتعرض مواقع في إسرائيل، خصوصًا في القدس (الغربية)، إلى “مذابح حقيقية”، فيما أضاف وزير الأمن موشيه ديان أنّ هناك حدودًا لقدراتنا على هزم العرب، لكن لا مفر أمام إسرائيل سوى المفاجأة والبدء بالحرب، لا انتظار هجوم الجيوش العربية. كما شدّدّ على أنّ عنصر المفاجأة يجب أنْ يكون إلى جانبنا، وذلك ليس قبل أن يبدي مخاوفه من حشد 200 دبابة مصرية في مقابل مدينة إيلات في الجنوب واحتلالها وتمهيد الطريق أمام الجيش المصري لاحتلال تل أبيب، ليضيف وزير العمل حينذاك يغآل ألون أنه يخشى على مصير القدس الغربية، وعلينا أن نتوقع ما هو أسوأ.
وتشدد الوثائق، ذكر الزميل تلحمي في تقريره، على أنّ أعضاء هيئة أركان الجيش هم الذين حضوا الوزراء على بدء الحرب والكف عن التردد، في مقدمهم رئيس هيئة أركان الجيش إسحق رابين الذي أبلغ الوزراء بأنه بعد دخول القوات المصرية سيناء وإغلاق مضائق تيران أمام السفن الإسرائيلية ينبغي تسديد الضربة الأولى في الحرب، وإلّا سيكون خطر حقيقي على وجود إسرائيل، وستكون حرب قاسية وشرسة وخسائر فادحة في الأرواح.
وأشارت الوثائق، الذي بقي قسمًا كبيرًا طيّ الكتمان، إلى أنّ الحكومة عقدت أربع جلسات متتالية لتبحث ماذا نفعل مع مليون عربي (الضفة الغربية وقطاع غزة). وكثرت الاقتراحات، وتكاد تكون مماثلة للنقاش الدائر اليوم في شأن ضم الضفة الغربية أوْ منح الفلسطينيين دولة، أوْ الترحيل إلى دول عربية وتهجير فلسطينيي القدس الشرقية إلى منطقتي بيت لحم ورام الله، ليقترح وزير التعليم زلمن شارف ترحيل العرب إلى البرازيل. ويضيف أشكول أنه لو كان الأمر متعلقاً بنا، لرحّلنا كل العرب إلى البرازيل، على حدّ تعبيره.
ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيليّة عن مدير مؤسسة الأرشيف الدكتور يعقوب لزوبيك قوله للإذاعة العسكرية إنّ الوثائق تؤكد أن الوزراء كانوا مصدومين من النجاح: الوزراء أنفسهم الذين خشوا قبل أسبوع فقط على لمصير إسرائيل، وجدوا أنفسهم أمام مشكلة عكسية: إسرائيل أصبحت إمبراطورية صغيرة، مُضيفًا: لم تكن لدى أيّ منهم فكرة ما العمل الآن، لكن كان هناك إجماع بأنه يجب توحيد القدس
بجزأيها، في مقابل فحص احتمال إعادة القطاع والجولان وسيناء إلى سورية ومصر في إطار اتفاقات سلام.
وساق قائلاً إنّ جلّ همّ الوزراء، وعلى رأسهم أشكول قبل البدء في الحرب، كان تلقي الضوء الأخضر من الولايات المتحدة ورئيسها ليندون جونسون، كذلك كسب تأييد الأمم المتحدة، وإنْ أبدوا مخاوف من تدخل سوفيتي عسكري، خصوصًا في الشمال، على الحدود مع سورية، كما قال لإذاعة الجيش الإسرائيليّ.
جديرٌ بالذكر أنّ الوثائق أظهرت أنّه في نهاية نقاش الوزراء تمّ اتخاذ القرارات التي من بينها، على ما يبدو، تحددت سياسة إسرائيل: تصر إسرائيل على توقيع عقد سلام مع مصر على قاعدة الحدود الدولية، طالما لم يتم توقيع عقد سلام، ستُواصل إسرائيل السيطرة على المناطق في شبه جزيرة سيناء، قطاع غزة ضُمن في أراضي إسرائيل، شروط عقد السلام هي تأمين حرية الملاحة في مضائق تيران وقناة السويس وضمان حرية الطيران فوق مضائق تيران وخليج شلومو وإلغاء المقاطعة العربية بجميع أشكالها والنزع التام لشبه جزيرة سيناء من السلاح، والذي ستحدد شروطه في عقد السلام بين إسرائيل ومصر.