اتذكر جيدا كيف كان الكثيرون يشككون في معارضة ولد غده لنظام ابن عمه محمد ولد عبد العزيز، كما أذكر كيف تعاملت معه كغيره من منطلق انه و هو الشاب المثقف الناضج ماكان ليهمش في الحزب الحاكم لو اختاره كخيار سياسي..
الآن بدأ من كانوا يشككون يصنعون من الرجل بطلا خارقا لأنه وببساطة يضايق ولد عبد العزيز و لأنه مضايق من قبل نظام عزيز..وحين يخرج ربما سينسونه و نضاله اذ لم يعد في القصة مايغريهم، فلا احد يريد صناعة رمز معارض من خارج التشكلة التي لاتهتم بدكة البدلاء.
ألم يكن من الموضوعي ان نمنحه الصفة والثقة قبل وصول المضايقات الى ذروتها،؟
الم يحن لنا ان نرتفع قليلا على التفكير القبلي والتخوين بسبب الانتماء القبلي أو العرقي او حتى الجهوي.؟
سيدي السيناتور لم أعرفك الا شابا متميزا عارض نظاما يعتقد الكثيرون أنه نظام قبلي، التهمة الوحيدة التي لا اوافق على الصاقها بنظام عزيز، هذا النظام الذي خلق طبقته الخاصة التي تعتمد في اساسها على اصحاب الأجندات القبلية والجهوية الضيقة والساعين للانتقام من خصومهم في حب ولد الطايع.
سيدي السيناتور، أعرف أنك في أحسن الأحوال ستكون الآن في غرفة الحراس بسجن روصو و المراد ليس إبداء الاحترام بقدرما يراد بالاجراء عدم إطلاعك على واقع ذلك السجن المقيت.. ستدرك بعد ايام ان سجانك “سي” المسن التكروري سجين معك.. سوف يطلب من من بديله ماء العينين السماح له بأن يكون رئيسا لحرس السجن طيلة مكثك هناك.. ربما لن تفهم سبب اصرار الرجل على البقاء رغم ان مأموريته انتهت مرتين.. إنه يريد الثالثة ليأكل من طعامك وليسأل زوارك المميزين الحافا، فلديه اطفال والحاجة كبيرة كما يقول، سيظل يمدد مأمورياته ليوفر لنفسه واولاده الطعام والادخار للمستقبل، ففي السجن بعدك ستكون الحياة جحيما خاصة ان ولد اكليب ليس بالرئيس المتفهم..
قد تجد من بين الحراس من يقترح عليك تهريبك، ستظن للوهلة الأولى أنه يريد المال، لكن بعد مدة ستكتشف انه عانى من الظلم و يقدر حالتك فقد ظلم هو الآخر.. حصل ذلك معي حين اقترح علي ماء العينين الناصري ان يهربني الى الضفة وبعد ان تحولنا الى صديقين حدثني عن معاناته وافراد قبيلته من نظام ولد الطايع والسبب هو انه ابن عم لصالح ولد حننة..
لو قدر ان وضعوك خلف البوابة الكبيرة لإذلالك فلاشك انهم الخاسرون فالشيخ سيخرج بفظاعات تبدأ بعراك جماعي امام ناظريك بين رجال اشداء على فطيمة، كل واحد يدعي انها زوجته، ستستغرب كيف يسجنون امرأة مع الرجال، لكن الطيب سي سيقول لك بتقزز واضح: فطيمة يقصدون بها القاصر.
“سيدي”.. ستستغرب اكثر من وجود الصبي اصلا في سجن الكبار. لا اعرف ان كان الفيزيائي بيدي مازال هناك، ذلك الأستاذ الذي قطع اوصال خطيبته بالسيف غيرة.. و هل مازال إمام السجن هو نفسه ذلك الرجل الذي قتل رب عمله بسبب منعه اياه من شرب الشاي أثناء العمل..أذكر انه كان ينتظر مهاتفة تعلن خلاصه من محنته، طرفها الآخر الشيخ محمد الأمين رحمه الله.. خرجت من السجن و لما يتصل الشيخ..
أشياء كثيرة ستراها في ذلك السجن و كلها مفيدة لك كشيخ، و لنا كمتابعين لكم في البرلمان، لكن في الغالب سيسعى ولد اوديكة (إن كان هناك) ليخرج الشيخ وكأنه كان في اجازة بجزيرة رائعة..
محنتك كانت محنتي يوما..أذكر انني كنت مسجونا لأنني حضرت و كنت بصدد إعداد تقرير عن حالة عبودية، وفي السجن كنت اتابع المذياع و هو ينقل وقائع ورشة احمد ولد سيدي باب عن ” كذبة العبودية في موريتانيا”.. بعد شهر ونصف تم الافراج عني بحرية مؤقتة لم أطلبها، و بعد شهرين بالتمام والكمال أعلن عن خروج ولد الطايع من المشهد ليصرخ فرحاً ماء العينين برفع الحصار عن قبيلته بعد إطلاق سراح رفاق صالح و استقبالهم في الشوارع استقبال الفاتحين، و ليسر الحقوقيون لأن الحديث عن العبودية لم يعد محرما، الأكيد أن لا أحد كان يعتقد بسرعة الخلاص، العسكر الذين كانوا يعاملوننا بقسوة كانوا يعتقدون أن الرئيس خالد و باق في السلطة.. من دخلوا السجن في تلك الفترة و من بينهم إبن عم الرئيس ولد محم أيقنوا ان ظلم ذوي القربى سيدوم قرنا، لكن فجأة جاء الخلاص.. اما “سي “الذي أراد لمأمورياته أن تكون مفتوحة و إلى الأبد، فقد وجد نفسه مضطرا للسماح لماء العينين بممارسة عمله، فلم يعد في السجن ما يغري بالبقاء، بعد انتهاء وقت الدوام الذي كان الحرسي العجوز يسميه بالمأمورية، بدل الدوام.. خرج المظلوم ولد محم بعد ان ذهب ابن عمه الظالم، لكننا نتمنى ان تخرج حتى قبل ان يذهب ابن عمك فتجربتك في السجن قد تكون مفيدة لنا..أما بيدي و إمام السجن و القاصر فلربما هي قصص تكرر نفسها في كل زمان..