لقد وعدت ولد عبد العزيز في مقالات ماضية بأن “المعارضة” ستأخذ أموال حملته و تصوت ضده و رغم أن مسؤولي حملته لم يكونوا أسخياء مثله مع معارضينا الأشاوس و لا أوفياء مع ولد عبد العزيز حيث تحايلوا على ما خصصت العصابة لحملة جريمتها، كما ظهر في فيديو “الوزيرة” بنت أمم، إلا أن العملية تمت بإتقان كما وعدناكم و كانت نتائجها كارثية على الأغبياء حين صدموا أولا بغياب من حضروا مهرجانهم الأخير عن طوابير التصويت ثم صدموا حين اكتشفوا عند فرز النتائج أن من صوتوا منهم صوتوا ضدهم حتى من أفراد الجيش و الأمن الذين تم ترهيبهم بأن القاعات مزودة بالكاميرات و بأنهم سيعرفون من صوت بـ”نعم” و من لم يصوت بها. و حتى عندما أصبح البعض يفرض على أبطال المعركة أن يأتوه بصورة في الهاتف تثبت تصويتهم بنعم ، تم تدارك العملية بسرعة و صدرت لهم الأوامر بأن يؤشروا بـ”نعم” و يصوروها لهم ثم يؤشروا بـ”لا” لتصبح البطاقة لاغية.
لقد كانت عملية جيدة و رائعة لن يدخل ولد عبد العزيز انتخابات بعدها إلا إذا قرر أن يقف بنفسه أمام كل صندوق و يذهب مع كل مصوت إلى حاجز الإخفاء و يفتح بطاقته عند الصندوق ليتأكد بأنه “عبر عن ضميره” كما يقول “أبو عنتر” في الفيديو التي تم توزيعها قبل أيام لمقطع من إحدى روائع دريد لحام.
كانت اتصالات ولد محم خيره لابتزاز رجال الأعمال و التجار تتم من دون علم الرئيس (رئيس العصابة طبعا) فلم يجد من يهتم باتصالاته ليفهم في الأخير أن أي أحد لم يعد يهمه أن يغصب ولد عبد العزيز أو يرضى : كان لسان حال الجميع يقول لهم “انتهت اللعبة” .. لم يعد لدى أي أحد في البلد ما يخسره غير مجموعة ولد عبد العزيز الأسرية الضيقة. حتى حكومة بط مكعور ولد حدمين لم تعد تبالي بغير ما يمكن أن تكسبه من فتات الحملة.
و كانت حملة زعيم “شلخة لحمير” الحمار ولد أجاي، حملة معارضة بامتياز حيث كان يمتدح ولد عبد العزيز بما يعرف الجميع أنه أكثر ما ينقصه ( يقول العرب منذ زمن بعيد إن أقبح الذم مدح المرء بما ليس فيه) و من يصف ولد عبد العزيز بالوطنية و الوفاء و الكرم و نبل السريرة، إما أن يضحك الناس أو يغضبها و لأن ولد أجاي خفيف الدم جدا فقد كان حديثه عن زعيمه مضحكا جدا للناس و مربكا جدا لسيده ..
و كانت حملة ولد محم خيرة حملة معارضة بامتياز هي الأخرى حين وصف زعيمه بالربوبية مذكرا الناس بقول أبي ذر : “أرب يبول الثعلبان برأسه * * * لقد ذل من بالت عليه الثعالب ” .. إن ربا يضحك عليه ولد محم خيره و تبول عليه تكيبر و يزور العملات مع كومبا با و عصابات آكرا .. إن ربا يختلس أموال عبدته و يؤجر حفارته لعباده المخلصين و يأمر مفوضية الأمن الغذائي بتحويل مساعدات الولايات المتحدة لفقراء شعبه إلى بيته .. إن ربا يا ولد محم خيره يعيش على النصب و الاحتيال ، هو رب مضحك فقط: لقد حولتم هذا المسكين قليل العقل إلى جحا حقيقي .. إلى أضحوكة يتلهى بقصصها الجميع .. إلى شخصية خرافية تحاك قصص الأطفال على لسانها.
و كانت حملة ولد بايه حملة معارضة للعصابة بامتياز حين اعتقد جهلا و جهالة أنه يستطيع أن يمسك أفعى التاريخ من ذيلها من دون أن تلدغه : لقد تم احتقارنا حتى أصبح ولد عبد العزيز ينظر في السياسة و ولد بايه يتحدث في التاريخ و ولد أجاي يعطي الدروس في الأخلاق.. على ولد باية أن يجهز مخيم “أحسي لكريره” (في ضواحي شنقيط) لعطلة ولد عبد العزيز الأخيرة و يغالط تكيبر بأجندة علاجية خرافية لترتيب مواعيده الغرامية : هذا ما خلقت له يا ولد بايه و ما جبلت عليه ، لا للحديث عن تاريخ خيانة تركب أعتى أمواجها و تركض خلف أسوأ من جسدها و لن يفكك إلا الموت من قضاء بقية عمرك في السجن بوصمة عارها.
كانت حملات هؤلاء جميعا مستهترة و منفرة و مقززة ، فأعطت نتائج معاكسة رائعة، كان لها بالغ الأثر في صناديق الاقتراع الخاوية. فشكرا لهم جميعا على ما قدموا للمعارضة و شكرا لهم على ما قدموا لآخرتهم من نصب و احتيال و أكاذيب أمام “الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف” جل و تعالى علوا كبيرا و كبرت كلمة تخرج من أفواه أراذل المتزلفين الساقطين..
كان هذا الاستفتاء الهزلي ـ عكس ما يردده البعض ـ نتيجة واضحة لمعركة طويلة النفس لا يهمنا أن لا يفهموا نتيجتها الحتمية و كان هذا التزوير المقرف و الساذج الأساليب و هذا النجاح مبهر المفارقات التي حولت العصابة إلى أضحوكة أمام العالم أجمع، هو ما نحتاجه بالضبط : أستغرب صراخ المعارضة و انزعا
من محاولات ترشح ولد عبد العزيز لمأمورية ثالثة ؛ دعوا المعتوه يحفر قبره بيده .. إن ما تملي عليه بلاهته و ما يزين له المتزلفون هو ما نحتاجه لدفنه حيا ..
لو لم يعلن ولد عبد العزيز عن طريق وزرائه و نوابه و متزلفيه نية ترشحه لمأمورية ثالثة لكان باستطاعته اليوم أن يخلف من يشاء بسهولة و هو أمر أصبح من عاشر المستحيلات، علينا اليوم أن نشكرهم عليه : “الجاهل إذا تكلم أخطأ و إذا سكت أخطأ و إذا ذهب ضل جدا” كما يقول الكاتب الايرلندي الساخر بيرنارد شو .
لقد كان عمل المعارضة الميداني في الفترة الأخيرة أفضل بكثير من أدائها السياسي طيلة العقود الماضية : لا يعرف ولد عبد العزيز إلا العنف و لن يرده إلا العنف و مع احتكاك الشباب الثالث أو الرابع بعصابات أمن ولد عبد العزيز (لا أمن موريتانيا) سيكون لنا حديث آخر .. سنكون قد أصبحنا أمام واقع آخر .. و سيكون على ولد عبد العزيز أن يفكر بطريقة أخرى و حين أقول “يفكر” أستحضر جيدا قصة الإفريقي.
لقد استردت المعارضة اليوم ثقتها في نفسها و أصبحت الجماهير تؤمن بها أكثر و تعلق عليها آمالا أكثر و تراهن عليها أكثر و أصبح العالم ينظر إليها باحترام أكبر . و ما كان علينا في الحقيقة أن نطلب منها الوصول إلى هذا المستوى من النضج و الصلابة من دون المرور بمراحل وهن مختلفة و متعددة الأوجه. و ليست هناك معارضة في الداخل و أخرى في الخارج (تلك أغنية أسطوانة ولد عبد العزيز المشروخة) و إنما هناك موريتانيون مستاؤون يؤدي كل منهم واجبه من موقعه . و إذا كان المعارض في الخارج يتمتع بحرية أكثر في التعبير عن رأيه من دون التعرض للسجن و المؤامرات الماكرة يكون من واجب الجميع أن يؤيد خروجه و يبارك إرادته. كل ما يتهموننا به في الخارج هو ما نعلقه على صدورنا من نياشين الفخر و الاعتزاز .. أنا شخصيا أفضل ـ بلا أي مبالغة ـ أن أكون عميلا لإسرائيل على أن أكون مواليا أو مناصرا لولد عبد العزيز ؛ حين أكون عميلا لإسرائيل سيحتقرني قومي و حين أكون مناصرا لولد عبد العزيز سيحتقرني العالم أجمع و أحتقر نفسي و الإثم واحد.