
لم أستوعب أن ينهار ولد عبد العزيز فقط لأنه كان قد آنسَ فشلاً لحزبه في الانتخابات البرلمانية، فما وراء تلك العُرواءِ و الحُمى بنافضٍ ليس ”الخوف من هيمنة متطرفين“ أو ”عودة مفسدين“.
لأمرٍ ما جدع قصيرٌ أنفَه، و لأمرٍ ما انتفخ سَحَرُ جنرال يخفي خلف مــظهره العسكري شخصية كمحارم الورق، لا تصلح إلا لمسح اللعاب و المخاط. فما الذي صيّر قوة الرجل ضعفاً، و أعصابَه الصُّم خزفاً.
لقد انهار الرجل خلال حملته كدوحة كهنبل أكل السوس عروقها، فانفض عنه جمعه، فلم يعد يتّكىء إلا على أعجاز نخل خاوية.
يقولون إن الغضب و الخوف و المعاناة تجلو معدن المرء، و تكشف نِجارَه، و قد أظهرت أيام الحملة الانتخابية من ضعف الجنرال الأرعن أنْ لو توكأ على جسمه الرُّوَاء لانهدم.. و هكذا لا يصمد زِقُّ السمن أمام شكة مِخرز.
و هكذا أيضا كشف مؤتمر ولد عبد العزيز الصحفي عن جهل و تناقض و عِيّ و ارتباك.. و كشف خطابه في ختام الحملة الانتخابية عن غباء سياسي، يحتار معه المراقب كيف تأتّى لهذا الأهوج أن يسيّر البلاد.
أستغرب أن يبرّر ولد عبد العزيز طلبه من الجماهير أن يصوّتوا لحزبه ”الاتحاد من أجل الجمهورية“ في الانتخابات بأنها المطية التي ستبلّغه عُرابةَ المأمورية الثالثة، لتشرق الجماهير بعدها بدم الوتين.. ألا يدرك الجنرال الغبي أنها كانت دعاية منفّرة من التصويت لحزبه الحقير.؟.. فمن سيصوّت – لو كان في حل من أمره – لاستمرار نظام مستبد؟َ.. و هل يصدق أن من فرحوا جذلاً يوم أعلن في قصر المؤتمرات أن لا رغبة له في مأمورية ثالثة سيطيرون شُعاعاً للتشبث بأطراف ثوبه حتى لا يغادرهم، و هو من لم يعرفوا تحت حكمه كرامة و لا خبزا و و لا قرص إسبرين.
كان جلياً أن هذا الرجل الذي ينفض مِذرويه إنما يخفي خلف ذلك فرائصَ ترتعد فَرقاً، و كفاً يمنعها الارتعاش أن تُحسن قدّ قميص الديمقراطية من دُبر، لهذا كان التزوير مهلهلاً كنسيج خرقاء، رديئا كخطوط كاتب يرتعش من البرد..
اجتمع المانع من مواصلة ”المكيدة“ و هو خَوَر النظام الذي يلفظ أنفاسه، و المقتضي لها و هو الخوف من المستقبل، الغائم، المتلبد.. كأنه يسرّ لنفسه كحَسْوٍ في ارتغاء: ”أنا من يحمل في يده مفاتيح مستقبلي.. أنا أنا، و أنا الطوفان.. و لكن من يضمن لي أنني لن افتح بوابة عبوري للشاطيء الآمن، فيجرفني تيارٌ غَرْبٌ.. لقد صنعت الماضي و ذلّلت الحاضر، غير أنني لا احتاط للمجهول.. فما تدري نفسٍ ماذا تكسب غداً..“.
هذا الارتباك يدفع الرجل لأن يقدم في خطوه إلى الأمام رِجلا و يؤخر أخرى، مواظباً على حركات سيزيفية دائرة:
– زوّر الانتخابات ليحتاط لسيناريو تغيير الدستور للاستمرار في الحكم، و هاجم حزب تواصل (الذي تعوّد أن يجعل منه لحم رقبة يُؤكل و يذم) ليتذكر ظهيره الخارجي أنه لا يزال عسكرياً نياشينه زاهية كأعراف الطواويس، يدخل بلاده متى شاءوا حربا بالوكالة ضد الإرهاب.. (و من يدري، فقد تكون الأخبار الأخيرة الواردة من حدود مالي عن الوقيعة بإرهابيين و تجار مخدرات هي |“المفعول به“ من هذه ”الجملة الفعلية“).؟!
إن خرجات ولد عبد العزيز الإعلامية الأخيرة تعكس ضياع بوصلة سياسية.. و تنجلي ممارساته عن عشواء تخبط في سمادير التيه.. و قد حانت لحظة الانقضاض عليه، لو أن فيهم رجلاَ رشيداً.. غير أنها معارضة تعوّدت أن تنتظر حركة الأشياء من حولها تلقائية، دون أن تسعى لتحريكها.. لهذا قد يطول الانتظار..!