عيدكم مبارك/ سيدي علي بلعمش

أربعاء, 14/09/2016 - 18:38

لقد تعقدت بشكل لا يتصور حياة الناس الطيبين في بلد كان الأمن والاستقرار والتكافل الاجتماعي والبساطة والطيبوبة، تعوضنا فيه كل ما ينقصنا.

 

ورغم تفاوتنا في الفقر، لم يكن فينا محروم بلا سند (قريب أو جار أو منفق في السبيل) يوفر له حدا أدنى من الضمان الاجتماعي ولم يكن فينا غني متبجح يصرف كل ليلة عشرات الملايين في العاب القمار وأطفال حراس منزله يتضورون جوعا.

 


كنا نراجع ونعد واجباتنا المدرسية ليلا على مصابيح تتغذى على مادة البترول كثيرة الأدخنة قابضة الروائح، فكان مستوى تلميذ سنة خامسة أو سادسة ابتدائي، متوسط الذكاء، أفضل بكثير من مستوى طالب جامعي في سنته الأخيرة اليوم. وكان في ذلك مظهر من مظاهر العناية الإلهية الدافق بمعاني البركة.. كنا نفهم ونتذوق بعمق طعم البركة.

 


كنا نقاوم حر الصحراء و بردها القارس و ظروفها المناخية المتقلبة  بوسائل بدائية تعطي كل فصل خصوصيته و ترتبط بذكراه من دون أن نعرف المروحة و لا المكيف و لا الماء الدافئ و كنا سعداء أكثر حين نبسط أفرشتنا في الهواء الطلق و ننام ملء جفوننا قبل أن تجتاح بلادنا عصابات المخدرات و أبناء الضباط السامين المؤمنين من السجون و بغايا الغرف المفروشة الوسخة و خلايا البرجوازية الجديدة  الطالعة من رحم الانحراف و تهريب المخدرات و تزوير البضائع و العملات و الغش التجاري و تبييض الأموال و بيع الأدوية المزورة و المواد الاستهلاكية منتهية الصلاحية ..

 


كان للعيد طعمه.. ولفرحته طعمها.. كان حتى للفقر طعمه وللمعاناة مجد الكفاح وشرف التعفف …

 


كان الغني يقول بحياء وأحيانا بصعوبة بالغة، لسائق سيارته “يبدو أن سيارتكم ينقصها كذا.. أو تحتاج إلى كذا …”

 


و ما كان ـ و هذا هو الأهم و الأجمل ـ لمن يحيد عن هذا السلوك و تلك المنظومة القيمية أن يكون شيئا في المجتمع، مهما بلغ من غنى و ترف و قوة.


 

عيدكم مبارك،

 


لكن تذكروا انه كان تخليدا لأعظم قصة تضحية ووفاء عبر التاريخ.. قصة تضحية ووفاء لا بد أن تذكرنا اليوم بتضحيات ووفاء خيرة شباب بلدنا: البطل الشجاع الشيخ باي ورفاقه في الوفاء والتضحيات الذين يقبعون اليوم في سجون العصابة لأسباب تافهة؛ فالشيخ باي لم يفعل سوى أن أطلق النار من مسدسه على فتاه لتبقى حبيسة فراش العجز مدى الحياة.. وحامد ولد بلال لم يفعل سوى أن أطلق النار من رشاش على شاب يافع لم يناوله حبة “ماندارين” بالمجان.. والمصطفى محمد مولود يسجن اليوم فقط لأنه كان يهرب الخمور والمخدرات في سيارة تابعة لقيادة والده القائد الأعلى لقوات الحرس. وكان باستطاعة جميل ولد حمود أن يكون ثالث ولد الغزواني وولد شيخنا ولد النني في الكلية العسكرية في قطر من دون المشاركة في امتحانات الضباط مثلهما، لكن الأقدار شاءت أن يسجن بظلم لسبب تافه مثل المناضلة العظيمة جميلة بنت محمد  التي أنقذت في عملية بطولية مشهودة أكثر من مليار أوقية من مخالب العصابة في مشروع “فينكر” والتي يحاول القضاء الموريتاني العادل اليوم تنفيذ أوامر رئيسه الأعلى بفبركة سيناريو لإخراجها مثل ما نفذ أوامره في فبركة سيناريو سجن جميل ورفاقه.

 

عيدكم مبارك،

 

لكن تذكروا وأنتم تقدمون الهدايا لأبنائكم يوم ضحى نبي بابنه، أن آلاف الأمهات المحرومات، لهن فلذات أكباد بريئة، تعجزن أن توفرن لهم غير أماني  يحولها اليأس إلى غصة في النفس تعتصر قلبا آدميا ، يكفيه سعادة بكل تأكيد، أن تنقل له وسائل الإعلام  الشيطانية أن رئيس العصابة يستدعي عصابة علماء العصابة ليخرجوا زكاة أمواله المقدرة بأربعين مليار أوقية (و لا تستبعدوا أن يطلب إريك والتير غدا من عصابة علماء عصابة موريتانيا تزكية أمواله ؛ لتفهموا فقط أن تمرير هذه الأموال بأرقامها الفلكية على آذاننا هو كان الهدف الوحيد من تلك الأخبار الكاذبة التي ترددها مواقع المخابرات، لتعودنا على تقبلها)

 

        عيدكم مبارك،

 


لكن تذكروا وأنتم تمارسون رياضة اللامبالاة وبلدكم الطيب تتنازعه غيلان الانفصالية والفئوية والقومية و البازبية و الديمقراطية و الإسلاموية و التبشيرية و الصفوية، أنكم جميعا مفرطون و مسؤولون أمام الله و أمام شعبكم عن خيانة بلدكم و خيانة شعبكم و خيانة أمانتكم و خيانة ضمائركم…

  

عيدكم مبارك، 

لكن تذكروا أن ابتسامة فرحتكم إهانة اليوم لموريتانيا المستباحة.. إهانة لشعبها المضطهد.. إهانة لشبابها المجهّل.. إهانة لنخبها المهمشة..

 

عيدكم مبارك،

 

لكن تذكروا وأنتم تحتفون بإحدى شعائركم الدينية العظيمة أنكم تنسون أهم ما فيها من عبر وتتذكرون ما يسيء إليها من عاداتكم المحفوفة بالمسافات بينكم و بين الأنبياء.

 



عيدكم مبارك،

 


لكن تذكروا ، من أين تنزل البركات في بلد قيادته في قبضة العصابات وقضاؤه بيد العصابات و علماؤه شهود زور على حرمة عدم طاعة عصابات النهب و السلب و الغش و التزوير و المخدرات ..

 

عيدكم مبارك،

 

لكن تذكروا جيدا أن آخر ما تتذكرونه في هذا العيد المبارك هو ما تحتاجونه لتستحقوا  ما فيه من فضل و بركات ..


عيدكم مبارك،

 

و لتدم أفراحكم و لياليكم الملاح..  لكن مرحى للشعب الموريتاني الطيب ، المهمش الذي لن يقرأ هذا المقال لبعده من وسائل تناوله؛

 

ـ مرحى له لأن الله تفضل عليه بأن لا يكون منكم ولا بينكم

 


ـ مرحى له حقا، لأن الله نجاه مما تقومون به من مظالم في حق شعب مطحون وأرضه المغتصبة..

 


ـ مرحى له في هذا العيد المبارك لأنه لم يأكل حراما ولم يلبس حراما في يوم مبارك من أيام الله

 


ـ مرحى له لأن الصبر كان سلاحه والأمل في الله أكبر من كل أتراحه

 


ـ مرحى له لأنه لم يغتصب حق أحد قط ولم يكدس الثروات من أموال شعب جائع يعسكر في الشمس منذ ابتلاه الله بتحكم أنذاله في رقاب الناس..

 


ـ مرحى له لأنه لم يبع قط تجارة مغشوشة و لم يزور عملة و لم يتاجر بسموم و لم يشهد شهادة زور و لم يساهم في انتزاع حق بريء لصالح ظالم عربيد.

 



هؤلاء هم من يجب أن نغار منهم اليوم حقا. وهم حقا من يستحقون أن نقول لهم بملء أفواهنا:

 

“عيدكم مبارك”